بقلم: د. محمود خليل
فكرة «التسحب والسحب» كانت من الأفكار الأساسية التى اعتمد عليها حسن البنا فى التحرك وسط «الأداهم»، فقد بدأ رحلة سحبهم إلى الجماعة بالتسحب عبر الشعارات الدينية الكبرى التى تطن فى الأذن وتخلو من المعنى، فانخرط الأداهم هاتفين: «الإسلام ديننا» وكأنهم يعتنقونه لأول مرة وليس منذ عده قرون، و«الرسول زعيمنا» وكأن محمداً (صلى الله عليه وسلم) كان زعيماً دينياً أو ملكاً من ملوك الدنيا وهو الذى قال الله فى حقه: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل»، و«القرآن دستورنا» وكأن الكتاب الكريم كتاب فى السياسة والرياسة وليس رسالة سماوية نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
إنها فكرة التسحب التى برزت أيضاً فى حلقات الذكر الجماعى وأذكار الصباح والمساء التى اندمج فيها قطاع من الأداهم ظناً منهم أنهم يستظلون بجماعة صوفية، والاحتفاليات الجماعية بالأعياد والمناسبات الدينية التى تتناغم مع فكرة «التدين الاحتفالى» التى أولع بها الأداهم.
وبعد الرحلة التى يخوضها «الأدهم» من الهتاف فى المسيرات إلى الغناء فى الاحتفالات فالتجول فى الرحلات يصل إلى منصة الخطر حين يرى الأسلحة المشرعة ليكون الأوان قد فات وتلاشى خط الرجعة.
خطر العنف والاضطراب قائم فى الجماعة منذ اللحظة الأولى لنشأتها، لكن «البنا» كان يؤخر ظهوره حتى يندمج العضو اندماجاً كاملاً فى الجماعة وتصبح جل همه ومبلغ علمه، وموطن صداقته ونزهته، ومحل عمله، بل وجوهر أسرته بعد السُّنّة التى استنها شيخ الجماعة بأن يتزوج الإخوانى من الإخوانية لينجبا فيما بعد إخواناً صغاراً!
تمكن «البنا» من خلق شبكة حياة كاملة سقط فيها بالأساس «الأداهم» المهمَلين. فمن تهمله أسرته البيولوجية أصبح موضع اهتمام أسرته الإخوانية، ومن يعانى مشكلة فراغ يجد فى أنشطة الجماعة مساحة للانشغال، والعاطل قد يجد فرصة عمل، والطالب الفقير قد يجد دعماً مالياً، والراغب أو الراغبة فى الزواج قد يجد نصفه الآخر، ومن يعانى إحساساً بالسحق تتدغدغ مشاعره بحلم السيادة، ومن يعانى الظلم يجد وهماً بالعدل.
كذلك كانت ولم تزل تتلاحم خيوط الشبكة التى يجد «الأداهم الهمّل» أنفسهم فيها، وبعد إحكام السيطرة عليهم تأخذ الجماعة فى إعدادهم للمهمة الأساسية التى تتمثل فى حمل السلاح من أجل تحقيق أحلام أداهم الجماعة الكبار فى الوصول إلى السلطة. ومن عجب أن «البنا» نجح فى ذلك خلال فترة الثلاثينات والأربعينات حين استقر المشهد السياسى المصرى على أن الديمقراطية والدستور هما آلية الحكم، وقد يزول العجب إذا تذكرنا أن الليبراليين المصريين يفضلون العيش فى الأبراج العاجية ولم يحدث أن اتخذوا خطوة مماثلة لما أقدم عليه «البنا» حين نزل إلى الأداهم على الأرض وأوقع فى شباكه من استطاع إليه سبيلاً.
النفس الأدهمية شكاكة بطبيعتها، والشك لديها مؤسس على خبراتها السيئة مع الحياة.
وحال شعورها بالخطر فإنها تلوذ بالفرار بلا أدنى تردد، لميلها المتأصل إلى الاستقرار ورفضها لفكرة «العيش فى خطر»، وإذا رأيت «أدهماً» يحيا فى ظلال الخطر فاعلم أنه لم يفعل ذلك بقراره بل تم سحبه إليه سحباً وئيداً حتى وجد نفسه فيه ولم يعد لديه فرصة للرجوع إلى الحياة المستقرة المطمئنة التى يفضلها.