بقلم: د. محمود خليل
فى إطار مفاهيم وفرضيات العولمة يصح النظر إلى «الجيل زد» من مراهقى مصر وشبابها كجزء من شباب العالم، فهو يتقاسم مع شباب المجتمع العالمى المعاصر سمات تزيد كماً ونوعاً عما يتشارك فيه من سمات مع الأجيال السابقة فى مصر المحروسة. المثال القريب الذى يمكن أن نقدمه فى هذا السياق هو فيلم «جوكر» الذى حظى بجماهيرية كبيرة بين شباب العالم، ومن بينه الشباب المصرى. والفيلم -لمن لم يشاهده- يدور حول شخصية ممثل كوميدى فاشل، يعانى من أوجاع نفسية متنوعة نتيجة التهميش الذى يعيشه وأمثاله داخل مدينة «جوثام»، وتسوقه نفسه المتعبة والمحطمة إلى العنف والفوضى فيتورط فى قتل ثلاثة أشخاص ثم يقتل واحداً من أشهر مذيعى برامج التوك شو الكوميدية «روبرت دنيرو»، ولأنه كوميدى فقد اعتاد أن يرسم وجهه بما يجعله أشبه بمهرِّجى السيرك، وفيما بعد يتحول وجهه إلى أيقونة ويتم إنتاج قناع شبيه به يرتديه المهمَّشون داخل المدينة فى لحظة قرروا فيها تحطيم وحرق أملاك الأغنياء والمترفين، هؤلاء الذين يعتبرونهم مصاصى دماء!.
يشتمل الفيلم على مشاهد عنف عديدة، ويبرر للمهمَّشين تبنِّى فكر تدميرى فى مواجهة الموسرين المترفين. وبعيداً عن الأبعاد الدعائية والفنية، وربما أيضاً الفكرية للفيلم الذى يقترب من الفكر الأناركى، فقد راق قطاعاً كبيراً من الشباب المصرى على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية، تماماً مثلما راق شباباً فى مجتمعات أخرى.
وقد يكون تفسير ذلك مرده سعى صنّاعه إلى العمل على تلك المساحة النفسية المشتركة الذى تتشعب داخل نفوس الشباب إلى أحاسيس مختلفة من الإحباط واليأس والتهميش وأحياناً الضياع. لا أستطيع أن أحكم على الفيلم -من الناحية الفنية- إلا كمشاهد أبهره الإخراج والموسيقى وروعة الأداء، لكن الفكرة الأخطر التى استوقفتنى تتعلق بفكرة «إسقاط المؤسسة» وتبرير العنف فى مواجهتها، وأخشى أن أقول إن نسب المشاهدة العالية التى حققها الفيلم تؤشر إلى أن الفكرة غازلت مكنوناً معيناً داخل نفوس الشباب.
مفهوم المؤسسة فى هذا السياق لا يتحدد فى المؤسسة الرأسمالية ومؤسسات الضبط المتفرعة عنها والتى تعمل فى خدمتها، بل يتمدد إلى مؤسسات أبعد، مثل مؤسسات الأسرة والتعليم والدين والأحزاب، ويتمدد فى أحوال أخرى إلى مؤسسات الدولة ذاتها.
ولا يخفى على أحد أن قطاعاً من شباب المحروسة يتمتع بدرجة واضحة من التمرد على فكرة المؤسسة. وللإنصاف فإن التمرد فى هذه الحالة لا يعبّر عن طبيعة داخل نفوس الشباب وفقط، بل يظهر -فى جانب منه- كرد فعل على مستوى الأداء غير المرضى للمؤسسة ذاتها. والمشكلة الأكبر أن الشباب الذى أعجبته فكرة الفوضى والعنف ضد المؤسسة فى فيلم «جوكر» لم يتوقف ويفكر فى البديل حال تدميرها أو التخلص منها، فهو يتوقف فيما يبدو عند حد التمرد والمواجهة العنيفة دون أن يتطرق تفكيره إلى خلق البدائل القادرة على إحداث التوازن أو العدل الذى يحلم به، ولا يفهم أن التوازن والعدل لن يتحققا فى التحليل الأخير إلا عبر مؤسسات جديدة تؤدى بشكل مختلف.