لقطة لطيفة لكنها معبرة التقطها أحد محررى موقع «القاهرة 24»، الأستاذ محمد عبدالرحمن، تحكى قصة صفحة على أحد مواقع التواصل الاجتماعى عنوانها للأغنياء فقط، وهى ترفض اشتراك أى من الفقراء أو أبناء الطبقة الوسطى فيها.
من يقرأ التقرير يكتشف أن الصفحة ليست أكثر من منصة للسخرية من الضغوط المعيشية، التى ينفس عنها الرواد من خلال «التريقة» على أوضاعهم بتقديمها فى شكل معكوس.
على سبيل المثال يدعو أحد رواد الصفحة 6 من أعضائها للانضمام إلى جمعية يقبض النفر فى نهاية كل شهر منها 75 مليون جنيه.. وآخر يشتكى من أن زوجته تترك السيارة إذا نامت إحدى عجلاتها وتشترى سيارة جديدة، لدرجة أنه لم يعد مكان فى الجراج بسبب عدد السيارات النايمة التى تتزاحم فيه.. وهكذا.
للمصريين إبداعات وتفانين فى السخرية من الواقع.. لكن ربما كانت هناك شريحة من المصريين -محدودة العدد لكنها موجودة- تفكر على هذا النحو. طبيعى جداً أن نستنتج ذلك، حين نأخذ فى الاعتبار طبيعة المراحل الانتقالية، وما تؤدى إليه من صعود لشرائح معينة مستفيدة، وهبوط شرائح أخرى أعرض لتقبع خارج معادلة الاستفادة.
وحقيقة الأمر أن النتائج التى ترتبت على إجراءات الإصلاح الاقتصادى أدت إلى الإطاحة بنسبة لا بأس بها من أبناء الطبقة الوسطى خارج معادلة الاقتصاد الطبيعى الذى تعودت عليه، لتجد نفسها مشدودة إلى أسفل، وتنضم إلى الشرائح المختلفة للطبقة الفقيرة.
غالبية الأسر التى حدث لها ذلك ينتمى عائلوها إلى وظائف ومهن جيدة، مهندسون وأطباء ومعلمون وأساتذة جامعات وخلافه، لكن موجات الغلاء المتلاحقة، وقلة فرص العمل أدت إلى إدخالها فى معضلة، أعادت معها ترتيب أوراقها الاقتصادية.
على سبيل المثال البعض أخرج أبناءه من مدارس أجنبية عالية المستوى وألحقهم بالأقل أو ذهب بهم إلى المدارس التجريبية، أو سقط بهم فى حجر المدارس الحكومية. وقس على بند التعليم ما يمكن أن يحدث فى بقية البنود المعيشية.
أغلب هذه الأسر تعانى أيضاً من عدم وجود فرص لعمل أبنائهم الذين تخرجوا فى الجامعات، وتعمق هذه الوضعية أوجاعها الاقتصادية بصورة كبيرة.. وظنى أن هؤلاء الأبناء يمثلون الرافد الأبرز لمثل هذه الصفحات التى تعرض لها موقع «القاهرة 24».
فهذا الجيل من أبناء الطبقة المتوسطة يعانى أكثر من عائليه.. فهو يواجه حالة الشح التى ضربت الأسر التى ينتمى إليها وأثرت على إنفاقه، وفى الوقت نفسه يعجز عن توفير دخل جيد يقيم حياته.
هذه التركيبة الشبابية التى تعانى اقتصادياً هى التى تجتهد فى رسم هذه الصور المقلوبة للسخرية من الواقع، وربما تجاوزت عتبة ذلك إلى رسم صورة المستقبل.
فمن الوارد فى المستقبل أن نشاهد صور الأغنياء المغلقين على أنفسهم واقعياً وافتراضياً والخائفين من أى احتكاك مزعج من جانب الفقراء والمتوسطين، والذين يتبنون «لايف ستايل» مغايراً تماماً وعلى كل المستويات لأنماط الحياة التى يعيشها «المتريشون».
زمان كانت كل الطبقات منفتحة على بعضها البعض، لكن مع ظهور فكرة الجماعة المغلقة -تأثراً بالتكنولوجيا الجديدة- والتحولات التى وقعت فى طرق الحياة وأساليب التعاطى معها، قد نشهد -فى المستقبل- المجتمع وقد تحول إلى مجموعة من الكانتونات الواقعية أو الافتراضية.