خلق الله تعالى الإنسان ليحيا ويعيش ويؤمن بحق غيره فى الحياة.
التدين الحقيقى يعنى الاعتراف بالآخر وبكافة حقوقه فى الحياة والتعايش معه. وفكرة التعايش هى فكرة قائمة ومدعومة بتوجيهات كافة الأنبياء والرسل، فإيمان الذات لا يعنى نفى إيمان الآخر: «لكم دينكم ولى دين».
«التعايش بين البشر» هو الشكل الطبيعى للحياة، لكن فى بعض الأحيان وتحت وطأة ظروف خاصة يغطى مفهوم التعصب لدى بعض الفئات على مفهوم التعايش.
ويستمد مفهوم التعصب جذوره من عقل شعبى، يعتمد على تمجيد الذات ونفى الآخر. وارتفاع درجة التعصب لدى الإنسان تعنى البعد عن الدين الحقيقى والاقتراب بدرجة أكبر من أفكار اجتماعية مغلوطة تشجع حالة التحيز للفئة التى ينتمى إليها.
فالتعصب يعنى ابتعاد الإنسان عن العقيدة الدينية التى أمره الله باتباعها ليقترب أكثر من العقيدة الشعبية للقبيلة أو العائلة أو الجماعة أو الفئة التى ينتمى إليها.
وإذا كان الإيمان الدينى مسألة فردية بين العبد وربه فإن العقيدة الاجتماعية حالة جماهيرية تتلاشى فيها ذات الفرد، وتأخذ فى الذوبان فى الأفكار الشعبية للجماعة التى ينتمى إليها.
فالدين يُعلى من قيمة الفرد، أما المجتمع فيسحقه تحت عجلاته وبين تروسه، لذلك نجد أن الفرد العادى يتعايش بعفوية وتلقائية مع الآخر المختلف عنه فى العقيدة، ونجد أن مفاهيم كالصداقة والجيرة والزمالة تجمع بين الأفراد المختلفين دينياً دون أية مشاكل.
تبدأ المشاكل فقط فى الظهور عندما يعود كل فرد إلى الجماعة التى ينتمى إليها، حيث تبدأ آلة التعصب فى العمل، ليتم التخلى عن مفهوم التعايش الذى أقره الدين إلى مفهوم التعصب الذى تتبناه الجماعة.
والجماعة المغلقة على نفسها لا يمكن أن تنجح فى نشر التعصب بين أفرادها إلا إذا وجدت المناخ المشجع والمحفز على ذلك. وهنا يظهر دور كل من الساسة والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى.
على الساسة أن يُمسكوا ألسنتهم عن التصريحات التى تؤدى إلى توسيع الشقة بين الفصائل والمجموعات الدينية والعرقية المختلفة داخل بلادهم.
كما أن الإعلام الفضائى، وأخص منه القنوات الدينية، مطالب بالبعد عن تغذية فكرة التعصب واستثمارها وتحويلها إلى أحداث يمكن أن يعيش عليها الغول الإعلامى المعاصر بعض الوقت.
ويضاف إلى وسائل الإعلام بعض مواقع التواصل الاجتماعى وما تنشره من معلومات وأفكار مسيئة تؤدى إلى إلهاب مشاعر الشباب، وهو الأكثر استخداماً لهذه الوسيلة.
الرسالة الإعلامية المتعصبة يتلقفها مواطن يعيش فى شارع يزدحم بالاحتقانات، وهو مواطن لا يمتلك الشجاعة الكافية لمواجهة مصادر الضغط عليه، فلا يكون أمامه سوى التنفيس بالفتنة المرتكزة على الدين، لأن الدين ما زال هو الأداة القادرة على منح الناس القدر الأكبر من شجاعة المواجهة.
التعصب يدفع الناس للمواجهة بصورة تفوق قدرة المظالم أو المغانم على تحريكهم. فوتر التعصب الشيطانى هو الفائز دائماً. وهو وتر تجيد العزف عليه جهات ومؤسسات ودول تريد تغذية تلك الآفة المسماة بـ«التعصب».