بقلم : محمود خليل
ثمة شك فى أن يؤدى انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان إلى نوع من التهدئة ما بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية الحالية، ولعلك تعلم أن الولايات المتحدة وقّعت منتصف شهر فبراير من العام الحالى اتفاق هدنة مع حركة طالبان يقضى بوقف أعمال العنف لمدة أسبوع، وهو ما حدث بالفعل، وهيّأ الأجواء لتوقيع اتفاق بين الطرفين يقضى بإنهاء الحرب بينهما وانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. وهى قوات يتراوح عددها بين 12 و13 ألف جندى. المفترض أن تكون الخطوة التالية بعد الانسحاب دخول «طالبان» فى مفاوضات تهدئة مع الحكومة الأفغانية الحالية، وهو أمر مشكوك فيه بدرجة كبيرة.
التجربة الأفغانية تقول إنه بعد خروج القوات السوفيتية من أفغانستان أواخر الثمانينات، بدأت حرب أهلية ضروس بين زعماء الحرب الذين توحّدوا فى ما سبق من أجل إخراج السوفيت، وتحالف بعضهم مع تنظيم القاعدة، فى سبيل تحقيق هذا الهدف، تصدّر مشهد الصراع الأهلى حينذاك: قلب الدين حكمتيار وبرهان الدين ربانى وأحمد شاه مسعود، الكل كان يريد أن يضع يده على كرسى حكم البلاد. توجّه سلاح الأفغان حينذاك إلى بعضهم البعض، ودفع المدنيون ثمناً باهظاً فى هذه الحرب الأهلية. أوائل التسعينات ظهر على مسرح الحرب الأهلية الأفغانية شخصية من أخطر الشخصيات التى عرفتها هذه الدولة، وهى شخصية الملا محمد عمر، الذى كان معلماً بإحدى المدارس الأفغانية، وشرع فى تأسيس تنظيم جديد قوامه طلاب المدارس الدينية، هو تنظيم طالبان، تحالف «التنظيم» فى ما بعد مع تنظيم القاعدة الذى قاده أسامة بن لادن ومجموعة من المصريين على رأسهم أيمن الظواهرى، ثم كانت تفجيرات برجى التجارة العالميين بالولايات المتحدة، التى أعقبها الغزو الأمريكى لأفغانستان.
قبل الغزو الأمريكى، كان تنظيم طالبان قد فرض كلمته على أفغانستان وتمكن من اغتيال المقاتل الشرس أحمد شاه مسعود، وفرار قلب الدين حكمتيار إلى خارج أفغانستان، وبعد الغزو تحول «التنظيم» إلى مقاومة الأمريكان والحكومة الجديدة التى وصفها بالعميلة. فى عام 2017 عاد قلب الدين حكمتيار إلى أفغانستان، بعد أن رفع الأمريكان اسمه من قائمة الأمم المتحدة للإرهاب. وأغلب الظن أن عودة «حكمتيار» تمهيد لما هو قادم بعد خروج الأمريكان. وليس من المستبعد أن تشتعل حرب أهلية جديدة فى أفغانستان عقب هذا الخروج. كل ما يهم «ترامب» أن يُنجز وعده لناخبيه بسحب القوات الأمريكية من بؤر الصراع المختلفة، وأكبرها وأخطرها بالطبع البؤرة الأفغانية، ويبدو أنه قرر أن يترك أفغانستان لمصيرها. والكل يعلم أن الحرب الأهلية هى الخيار الوحيد أمام كل الفرقاء هناك، لأن القوى هناك متعادلة على مستوى امتلاك السلاح. فالحكومة لديها ما تقاتل به، وكذلك «طالبان»، وحتى قلب الدين حكمتيار -الذى فشل فى انتخابات الرئاسة الأفغانية الأخيرة- لديه كوادره. وليس هناك خلاف على أن هذا التحول سوف يعيد «القاعدة» من جديد إلى الصورة. والأجواء حالياً مهيأة أكثر مما كان الوضع عليه طوال حقبة التسعينات لانضمام عناصر جديدة إليها، الأمر الذى قد يمكنها من إعادة ترتيب أوراقها لتصبح «القاعدة» من جديد رقماً على خريطة الإرهاب العالمى