توقيت القاهرة المحلي 20:16:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الضابط النبيل

  مصر اليوم -

الضابط النبيل

بقلم : د. محمود خليل

 سقطت الورقة الأخيرة التى تبقّت من شجرة ثورة يوليو. مات خالد محيى الدين، أحد قيادات الصف الأول للتنظيم الذى أطاح بالملك فاروق عام 1952 عن عمر يناهز الـ95 عاماً. كل أعضاء التنظيم ماتوا قبله وعاش بعدهم سنين عدداً. طيلة مشوار عمره كان «محيى الدين» الورقة الأكثر رسوخاً وثباتاً فى شجرة يوليو. لم يتغير ولم يتحول، ودفع ثمن ثباته على مبادئه ومواقفه بابتسامة رضا وثقة ما فتئت تعلو وجهه فى كل المواقف.

كان خالد محيى الدين أكثر ضباط يوليو انحيازاً إلى الديمقراطية، وخلال أزمة مارس 1954 حسم موقفه مع اللواء محمد نجيب، رئيس الجمهورية حينذاك، ورغم أن الكثير من الشواهد تؤكد على أن «نجيب» نظر إلى الديمقراطية كورقة بإمكانه أن يُحرج بها مجلس قيادة الثورة شعبياً، فقد كان «محيى الدين» يرى فى الديمقراطية الحالة الطبيعية للحكم. تعاصرت فترة شباب خالد محيى الدين مع الانتكاسات التى تعرضت لها التجربة النيابية فى مصر بسبب تكتل الاحتلال والقصر وكبار الملاك وموظفى الدولة ضد دستور 1923 الذى مثّل الثمرة الأطيب لثورة 1919، وشأنه شأن الكثير من أبناء جيله تقلب على تلك الجماعات التى حاولت تقديم بديل سياسى واجتماعى يعوض إخفاق الوفد فى تحقيق أهداف الثورة، ومن بينها جماعة الإخوان وحركتا «إيسكرا» و«حدتو» اليساريتان. آثر الرجل الاستقالة من مجلس قيادة الثورة والتوارى إلى الظل عام 1954 بعد أن قهرت رياح «حكم الفرد» أى محاولات لبناء نظام ديمقراطى.

أجمع كل من عبدالناصر والسادات على اتهام خالد محيى الدين بـ«الشيوعية». وواقع الحال أن الرجل كان اشتراكياً يدافع بقوة وثبات عن حقوق الفقراء، ولم تمنعه قناعاته الاشتراكية من رفض حكم الفرد والدفاع بحرارة عن الديمقراطية، والنظر إليها كسبيل وحيد لبناء دولة عصرية. خلافاً للكثير من الضباط الأحرار تمتع خالد محيى الدين برؤية سياسية متماسكة ظهرت بصورة واضحة خلال المرحلة التى أسس فيها حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى عام 1977، وهو ما انعكس على البرنامج الذى أعده الحزب تحت رئاسته، وكان أكثر البرامج وضوحاً ورصانة بين البرامج المختلفة التى قدمتها الأحزاب التى ظهرت خلال التجربة الحزبية لمصر ما بعد الثورة.

خلال انتخابات مجلس الشعب المصرى (1987) أطل خالد محيى الدين -ربما لأول مرة- على المصريين من خلال شاشة التليفزيون، تحدّث وقتها عن برنامج الحزب ورؤيته السياسية والاقتصادية، لم تفارق ابتسامة الثقة وجهه طيلة الوقت المخصص له. وأتذكر جيداً أن حديثه كان له أثر واضح على كثيرين ممن استمعوا إليه، وأبرز ما سجله مواطنون عاديون حينها على شخصية «محيى الدين» أنها تتمتع بقدر محسوس من «الاستقامة»، استقامة المواقف مع ما ينادى به من أفكار، واستقامة أفعاله مع أقواله. لم يكن للرجل طموح شخصى، بل كان جل طموحه منصرفاً إلى الحلم بوطن أفضل ينعم بحياة سياسية ديمقراطية، وحياة اقتصادية تحقق مبدأ العدالة الاجتماعية. رحم الله الضابط النبيل خالد محيى الدين.

نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الضابط النبيل الضابط النبيل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 23:00 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قواعد الإتيكيت الخاصة بشراء الملابس

GMT 12:07 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الجبلاية تستقر على خصم 6 نقاط من الزمالك

GMT 17:18 2021 الخميس ,26 آب / أغسطس

أشهر مميزات وعيوب مواليد برج العذراء

GMT 23:49 2020 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

ملخص وأهداف مباراة الزمالك والمقاولون العرب في الدوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon