بقلم : محمود خليل
عجيب أن يكون بيل جيتس الذى انخرط قبل ما يقرب من عقدين من الزمان فى الأعمال الخيرية، ومن بينها حملات التطعيم ومكافحة الأوبئة، الاسم الأكثر حضوراً فى أى حديث يتبنى نظرية المؤامرة فى تفسير انتشار فيروس كورونا، وتنقله من بلد إلى آخر. يمكنك أن تتفهم هذا التوجه فى إطار عاملين: أولهما أن «جيتس» تحدث مبكراً -منذ عدة سنوات- عن فيروس عالمى يحتمل أن يضرب شعوباً مختلفة، وطالب الحكومات حينها بتوجيه المال إلى مكافحة مثل هذه الفيروسات، بدلاً من استثمارها فى إنتاج الأسلحة وإراقة الدماء. كثيرون ركزوا على الشق الأول من حديث «جيتس» حول الفيروس المتوقع، وقليلون التفتوا إلى دعوته للحكومات للتعامل الأكثر رشادة وإنسانية مع استثمارات الحرب والسلام. ربما كان الرئيس الأمريكى «ترامب» واحداً من أعضاء الفريق الذى ينظر إلى «جيتس» بعين الريبة، خصوصاً بعد قراره وقف التمويل الذى تدفعه الولايات المتحدة الأمريكية لمنظمة الصحة العالمية، فى وقت تبرع فيه بيل جيتس بـ100 مليون دولار لدعم جهود المنظمة فى مواجهة كورونا.
يبرر اتجاه البعض نحو وصم بيل جيتس بالتآمر فى موضوع كورونا أنه ومع مجموعة من العاملين فى مجال تكنولوجيا المعلومات وتطوير البرمجيات ونظم الذكاء الاصطناعى، يمثلون الرابح الأكبر من التحولات التى طرأت على النظم الاقتصادية العالمية حالياً، ومن المتوقع أن يزيد مداها فى المستقبل. فكل الدول تتحول إلى نظم الأداء عن بعد، سواء فى التعليم أو العمل، أو إدارة النشاط الإعلامى، أو التسوق والشراء والبيع، أو توزيع السلع والخدمات. كما أن نظم الذكاء الاصطناعى تحل محل الإنسان فى أداء العديد من المهام بدءاً من قيادة السيارة وحتى إجراء العمليات الجراحية. وقد حكيت لك فيما سبق طرفاً من ظاهرة تمدد هذه الأنظمة فى الحياة البشرية.
الرابح الأكبر من هذه التحولات هم قياصرة التكنولوجيا والبرمجيات فى دول العالم المختلفة. ومكاسبهم لن تتوقف عند ما سبق وذكرته لك، بل قد تمتد أيضاً إلى إنتاج البرامج التطبيقية التى تتابع حالة الإنسان -من خلال هذه البرامج أو غيرها- وتقدم معلومات كاملة لمن يهمه الأمر حول الحالة الصحية لحاملها. وقد طرح فى هذا السياق تسويق برامج قادرة على إمداد الجهات المختلفة، وكذلك الأفراد، بالحالة الصحية للمخالطين لهم، وذلك كجزء من مواجهة فيروس كورونا. ومنذ عدة أسابيع بدأت الحكومة الصينية تشجيع مواطنيها على استخدام هذا التطبيق كوسيلة حمائية لهم من الإصابة بعدوى الفيروس. ويعنى ذلك أن الفكرة قد دخلت حيز التنفيذ، ومع تمددها إلى مجتمعات أخرى فسوف يصبح مواطنو العالم جميعهم أسرى فى يد أباطرة المعلومات والبرمجيات.
وجود «جيتس» وأنداده فى دائرة الرابح فى وقت يخسر فيه الجميع فى سياق جائحة كورونا هو الذى يغرى البعض بوصمه بالتآمر على العالم. وواقع الحال أن العالم يسير منذ أوائل القرن الحادى والعشرين فى اتجاه هذا التغيير، لكن يبقى أنه كان يحتاج إلى حدث جلل أشبه بـ«ضربة المرزبة»، يؤدى إلى تحول كبير، بدلاً من ضربات الشاكوش التى تحتاج مزيداً من الصبر. وهو ما حققته «مرزبة كورونا».