توقيت القاهرة المحلي 18:35:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القرآن.. والتباديل والتوافيق

  مصر اليوم -

القرآن والتباديل والتوافيق

بقلم : محمود خليل

فى تقديرى أنه يجمل بالمسلم وهو يتفاعل مع النص القرآنى أن يفهم أن وجود آيتين تحملان حكمين مختلفين لا يعنى أن إحداهما تجبُّ الأخرى، وأن يستوعب أن أحدهما صالح لزمان ومكان وظرف، والثانى مناسب لزمان ومكان وظرف آخر. وعليه أيضاً أن يفهم أن آيات القرآن لا يناقض بعضها بعضاً، بل تقدم مجموعة من التباديل والتوافيق التى تأخذ فى الاعتبار اختلاف وتباين الظروف الإنسانية. يقول الله تعالى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ». فالاختلاف بين البشر سُنّة من سنن الله فى خلقه، يرتبط بحركة التطور فى الزمان والمكان. نحن لسنا بصدد أحكام متغيرة، بل أمام «أحكام متنوعة»، والتنوع هنا لا يخل بإيمان المسلم بذات الله تعالى الأزلية الثابتة، بل يعنى وعياً بأن الله تعالى المحيط بالزمان والمكان، والعليم بخلقه والطبيعة المختلفة لهم، والسياقات الظرفية التى تحكمهم، منحهم أحكاماً مختلفة تساعدهم على التعامل مع الواقع المتغير. فى سياق تناول مسألة «الناسخ والمنسوخ» فى القرآن الكريم يقول نصر حامد أبوزيد فى كتابه «مفهوم النص»: «إن تغاير أفعال الله فى العالم لا يعنى تغيراً فى ذات الله أو فى علمه، وكذلك إبدال آية مكان آية وتغيير الحكم لا يعنى (البُداء) أو أن الله يقرر أمراً ثم يبدو له فيه رأى آخر. إن النظر دائماً إلى الله فى مناقشة قضايا الوحى والنص إغفال للبعد الآخر الهام وهو الواقع والمتلقين. إن الأحكام الشرعية أحكام خاصة بالبشر فى حركتهم داخل المجتمع، ولا يصح إخضاع الواقع لأحكام وتشريعات جامدة لا تتحرك ولا تتطور».

لو استوعب سيد قطب مجموعة الأمور السابقة لأراح نفسه وأراح الناس. فالمبدأ فى علاقة الإسلام بالآخر هو «عدم الاعتداء»، انطلاقاً من قاعدة «إن الله لا يحب المعتدين». فالمسلم لا يبادر إلا لقتال من قاتله واعتدى عليه. يقول الله تعالى: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ». الآيات الكريمة التى تُلزم المسلم بعدم الاعتداء على الغير إلا فى حالة رد الاعتداء عليه حكمها قائم فى الظروف العادية الغالبة، أما فى غير هذه الظروف، حين توجد اعتداءات ومظالم خارجية تقع على المسلمين، فلهم أن يلتزموا بأحكام «آيات القتال»، وهى فى المجمل أحكام طارئة ترتبط بظرف استثنائى، فإذا زال الظرف زال الحكم. وقرار الحرب فى الظروف التى يتم فيها الاعتداء على المسلمين مداره ولىّ الأمر الذى يتحمل المسئولية بحكم إلمامه بكافة المعلومات المتعلقة بحجم الاستعدادات والإمكانيات المتاحة لمواجهة العدو، مما يجعله الأقدر على اتخاذ القرار المناسب. مسألة الحرب والمواجهة فى هذه الحالة ليست موكولة إلى أفراد أو جماعات تعمل خارج نظام الدولة لسبب بسيط هو أن «آيات القتال» نزلت حين أصبح للمسلمين دولة فى المدينة المنورة، أما قبل ذلك فقد نهى القرآن نبيه صلى الله عليه وسلم والجماعة المؤمنة به عن قتال المشركين.

معاذ الله أن يكون فى القرآن الكريم تناقض أو تضارب فى الأحكام، بل التناقض خصلة من خصال الواقع وسمة من سمات الإنسان. فى هذا السياق يصبح «النسخ» عملاً من أعمال الواقع ولا يعكس بحال تناقضاً فى النص القرآنى. النسخ الذى ورد فى آيات القرآن الكريم مداره الاستجابة للواقع والتيسير على البشر وعياً بظروفهم. يقول نصر حامد أبوزيد: «وإذا كانت وظيفة النسخ هى التدرج فى التشريع والتيسير، فلا شك أن بقاء النصوص المنسوخة إلى جوار النصوص الناسخة يُعد أمراً ضرورياً، وذلك لأن حكم المنسوخ يمكن أن يفرضه الواقع مرة أخرى. وقد أدرك العلماء ذلك حين ناقشوا موقف النص بين أمر المسلمين بالصبر على أذى الكفار وبين أمره بقتالهم، وقالوا إن الأمر بالصبر من قبيل (المنسأ) الذى يتأجل العمل به، أو يلغى إلغاء مؤقتاً لتغير الظروف، فإذا عادت الظروف إلى ما كانت عليه من قبل ذلك عاد حكم المنسأ إلى الفاعلية والتأثير».

المصدر :

الوطن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القرآن والتباديل والتوافيق القرآن والتباديل والتوافيق



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon