توقيت القاهرة المحلي 20:47:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإيمان لا يستقيم مع القهر

  مصر اليوم -

الإيمان لا يستقيم مع القهر

بقلم : محمود خليل

يختزل سيد قطب مفهوم الجهاد فى مسألة القتال، وحتى لا يتناقض مع الآيات الكريمة التى تؤكد على عدم الإكراه فى الدين: {لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ، قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ} (البقرة: 256)، يشير «قطب» إلى أن القتال أداة للتخلص من طواغيت الأرض الذين يحولون بين الدعوة إلى الإسلام وبين الشعوب، حتى إذا خلص الناس للدعاة خلوا بينهم وبين الدخول فى الإسلام، إذ ليس لهم أن يُكرهوهم عليه. الأطروحة التى يقدمها سيد قطب هنا تثير العجب، فالقتال هنا لا يتوجه إلى الكبار (الطواغيت)، بل إلى الشعوب، ونتاجه دائماً هو إزهاق حياة البسطاء من الناس الذين يشكلون وقود المعارك، وتدمير مقدرات المجتمعات، ثم أين الحرية التى يتمتع بها مغلوب فى مواجهة غالب حتى يستفيد من قاعدة «لا إكراه فى الدين»؟

إن العنف فى هذه الحالة يولد كراهية فى نفس الإنسان المقهور تجعله ينفر من الإسلام بسبب عنف أصحابه. ولأنصار سيد قطب أن يسألوا أنفسهم: ماذا خسر الإسلام بعنف المسلمين؟

ثم هناك سؤال آخر يتوجب طرحه هو: من هذا الذى يمنع مسلماً من الدعوة إلى دينه إذا أراد أن يفعل؟

فمنذ فجر الإسلام والمسلمون يمارسون الدعوة إلى دينهم. وكل ما تعرض له من آمنوا بالنبى (صلى الله عليه وسلم) من أذى تعرض له المؤمنون بكل الأنبياء والرسل فى كل زمان ومكان، بل إن الأنبياء أنفسهم تعرضوا للأذى وتحملوه فى سبيل نقل رسالتهم إلى البشر. ولا تقتصر المسألة على الأنبياء فقط بل على المصلحين أينما ووقتما كانوا، وهى مسألة عادية وطبيعية. ورغم الأذى لم نجد نبياً أو مصلحاً يدعو إلى قهر الآخرين على الإيمان بما يقول، لأن الإيمان لا يستقيم مع القهر. النبى (صلى الله عليه وسلم) لم يفعل ذلك، وإنما امتثل لأمر ربه بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن». أمر القتال فى تجربة النبى ارتبط بالاعتداءات والتهديدات التى تعرضت لها «دولة المدينة». النبى (صلى الله عليه وسلم) كان مثله كمثل أى قائد يقاتل من يبدأه بالقتال حماية للمجتمع الذى يتولى قيادته، وهو فى كل الأحوال لم يعتدِ على أحد عملاً بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190).

لقد ألف سيد قطب كتابه «معالم فى الطريق» فى فترة الستينات، أى فى النصف الثانى من القرن العشرين، حيث كانت البشرية تعيش مرحلة لا يجرؤ فيها أحد على منع غيره من الدعوة إلى عقيدة أو فكرة. ومؤكد أنه كان يعلم مثل غيره أن هناك مسلمين يعيشون فى أوروبا وفى الولايات المتحدة الأمريكية، وأن المؤمنين بالله ورسوله ينتشرون فى كل أصقاع الأرض ولم يكن أحد يمنعهم من دعوة غيرهم إلى اعتناق عقيدتهم، بل على العكس تماماً. عدد المسلمين فى غزوة بدر بلغ ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، واليوم يقترب عدد المسلمين من المليارين، آمن أغلبهم بالإسلام دون ضربة سيف أو رشقة رمح أو قهر أو غلبة. فالإسلام كعقيدة قادر على مخاطبة العقل والنفس الإنسانية وسكناها. ولست أجد علة لهذا الدين اليوم سوى بعض من يزعمون الإيمان به، ويتورطون فى عنف يؤدى إلى صرف الناس عنه. لو أن سيد قطب دعا إلى نشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة وتبيان ماهيته كدين يدعو إلى السلام بين البشر لنفع نفسه ونفع دينه، لكنه انشغل بالسلطة وليس الشعوب. ومن المعلوم بالضرورة أن من ينشغل بالحكم يبحث عن أدوات القوة التى تمكنه من غلبة غيره، لذا يكون القتل مدار تفكيره، أما من ينشغل بالشعوب فأمره مختلف، حيث يصرف جهده إلى مخاطبة عقلها ووجدانها، ويكون مدار تفكيره القدوة الحسنة التى تغرى البشر بالاقتداء بها.

المصدر :

الوطن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإيمان لا يستقيم مع القهر الإيمان لا يستقيم مع القهر



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:57 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

دليل بأهم الأشياء التي يجب توافرها داخل غرفة المعيشة

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

GMT 10:12 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز 5 ضحايا لهيمنة ميسي ورونالدو على الكرة الذهبية

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 10:39 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

أبوظبي وجهة مثالية لقضاء العطلة في موسم الشتاء الدافئ

GMT 03:57 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 منتخبات عربية في صدارة مجموعات تصفيات كأس العالم 2026

GMT 05:40 2019 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

ديكور منزل هيفاء وهبي في بيروت يخطف الأنفاس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon