بقلم : محمود خليل
من الطبيعى أن يخاف الأفراد من المرض، لكن من غير الطبيعى أن تجدهم غير متعاطفين مع من يظنون أنه ضحية للمرض. أقول قولى هذا بمناسبة العلقة الساخنة التى نالها طالب آسيوى يبلغ من العمر 23 عاماً على يد مجموعة من الأشخاص فى العاصمة البريطانية لندن، وأدت إلى تورّم وجهه بصورة مؤثرة. كان المعتدون يضربون الطالب المسكين وهم يصرخون «لا نريد كورونا فى بلدنا». فعلها البريطانيون رغم أن الشاب الآسيوى ليس مصاباً بكورونا، وإلا كيف يعيش بعيداً عن الحجر الصحى؟!.
أواخر القرن الماضى صدر كتاب «عقل جديد لعالم جديد» للكاتبين روبرت أورنشتاين وبول إيرليش، وترجمه للعربية العالم الراحل الدكتور أحمد مستجير. ويناقش الكتاب أزمة الإنسان فى نهايات القرن العشرين، والمفارقة التى تظهر بين النمو المتزايد فى المعطيات العلمية والتكنولوجية المحيطة به، والتراجع المستمر فى أدائه العقلى ومستوى قبوله للآخر. رصد الكاتبان فى مؤلفهما ظاهرة أطلقوا عليها «كركتة العالم»، التى يقوم الإعلام من خلالها بتضخيم بعض الأحداث والمبالغة فى تقديمها بصورة تؤدى إلى إثارة حالة من الهلع والفزع لدى الناس «لعبة الإثارة». مثل الحديث عن الأوبئة وانتشارها وتهديدها للإنسان، رغم أن ضحاياها غالباً ما يكونون محدودى العدد، قياساً إلى ضحايا حوادث المرور على سبيل المثال. الفكرة الأساسية فى «الكركتة» تتمحور حول مخاطبة غرائز المتلقى وتنويم عقله، لتبدو ردود فعله غرائزية، بعيدة كل البعد عن التفكير العقلانى، وليظهر وكأنه مثل الكائنات الدنيا التى يحكمها قانون «الشرط والاستجابة».
العديد من الأفكار التى تتجول على سطور هذا الكتاب بإمكانها أن تفسر لك رد الفعل الذى أبدته هذه المجموعة من البريطانيين نحو الطالب الآسيوى. فقد اعتدوا عليه، وهم مدفوعون بغريزة الخوف من الموت، وتعطلت عقولهم عن التفكير فى أن فيروس كورونا يخترق جسد الصينى مثلما يخترق جسد الأوروبى أو الأمريكى أو العربى أو الفارسى. إنه فيروس ديمقراطى جداً كما ذكرت لك من قبل. والأمراض ابتلاءات يُصاب بها البشر جميعاً، ولا ينجو منها أحد. وقد قدرت حكمة الخالق أن تكون أعدل الأشياء قسمة بين الناس، مثلها فى ذلك مثل الميلاد والموت اللذين يتساوى فيهما جميع البشر، دون أى نوع من التمييز.
ارتقاء المعطيات العلمية والتكنولوجية للحياة لا بد أن يتوازى معه رقى فى أخلاقيات الإنسان وأسلوب تفكيره وحجم تعاطفه مع الآخرين. وقديماً كان يقال إن الأزمة تؤدى إلى ترقيق مشاعر البشر وتجعلهم أكثر قرباً من بعضهم البعض، وأشد تعاطفاً مع بعضهم البعض. ومواجهة فيروس كورونا أو غيره من المخاطر التى تهدّد حياة البشر تفرض عليهم التآزر وليس التعارك. هذا الجانب من حديث «كورونا» لا بد أن تتنبه له وسائل الإعلام العالمية، فلا تستثمر مشاهد مثل الاعتداء على الطالب الآسيوى بلندن كمادة للإثارة، بل كموضوع يصح توظيفه فى تعرية هذا النوع من التفكير الغرائزى الذى يثبت أن عقل الإنسان يسير فى طريق «الضمور»، وأحاسيسه تتبختر على طريق «التبلد»!.