توقيت القاهرة المحلي 05:01:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ضمور الفكر وتبلد الإحساس

  مصر اليوم -

ضمور الفكر وتبلد الإحساس

بقلم : محمود خليل

من الطبيعى أن يخاف الأفراد من المرض، لكن من غير الطبيعى أن تجدهم غير متعاطفين مع من يظنون أنه ضحية للمرض. أقول قولى هذا بمناسبة العلقة الساخنة التى نالها طالب آسيوى يبلغ من العمر 23 عاماً على يد مجموعة من الأشخاص فى العاصمة البريطانية لندن، وأدت إلى تورّم وجهه بصورة مؤثرة. كان المعتدون يضربون الطالب المسكين وهم يصرخون «لا نريد كورونا فى بلدنا». فعلها البريطانيون رغم أن الشاب الآسيوى ليس مصاباً بكورونا، وإلا كيف يعيش بعيداً عن الحجر الصحى؟!.

أواخر القرن الماضى صدر كتاب «عقل جديد لعالم جديد» للكاتبين روبرت أورنشتاين وبول إيرليش، وترجمه للعربية العالم الراحل الدكتور أحمد مستجير. ويناقش الكتاب أزمة الإنسان فى نهايات القرن العشرين، والمفارقة التى تظهر بين النمو المتزايد فى المعطيات العلمية والتكنولوجية المحيطة به، والتراجع المستمر فى أدائه العقلى ومستوى قبوله للآخر. رصد الكاتبان فى مؤلفهما ظاهرة أطلقوا عليها «كركتة العالم»، التى يقوم الإعلام من خلالها بتضخيم بعض الأحداث والمبالغة فى تقديمها بصورة تؤدى إلى إثارة حالة من الهلع والفزع لدى الناس «لعبة الإثارة». مثل الحديث عن الأوبئة وانتشارها وتهديدها للإنسان، رغم أن ضحاياها غالباً ما يكونون محدودى العدد، قياساً إلى ضحايا حوادث المرور على سبيل المثال. الفكرة الأساسية فى «الكركتة» تتمحور حول مخاطبة غرائز المتلقى وتنويم عقله، لتبدو ردود فعله غرائزية، بعيدة كل البعد عن التفكير العقلانى، وليظهر وكأنه مثل الكائنات الدنيا التى يحكمها قانون «الشرط والاستجابة».

العديد من الأفكار التى تتجول على سطور هذا الكتاب بإمكانها أن تفسر لك رد الفعل الذى أبدته هذه المجموعة من البريطانيين نحو الطالب الآسيوى. فقد اعتدوا عليه، وهم مدفوعون بغريزة الخوف من الموت، وتعطلت عقولهم عن التفكير فى أن فيروس كورونا يخترق جسد الصينى مثلما يخترق جسد الأوروبى أو الأمريكى أو العربى أو الفارسى. إنه فيروس ديمقراطى جداً كما ذكرت لك من قبل. والأمراض ابتلاءات يُصاب بها البشر جميعاً، ولا ينجو منها أحد. وقد قدرت حكمة الخالق أن تكون أعدل الأشياء قسمة بين الناس، مثلها فى ذلك مثل الميلاد والموت اللذين يتساوى فيهما جميع البشر، دون أى نوع من التمييز.

ارتقاء المعطيات العلمية والتكنولوجية للحياة لا بد أن يتوازى معه رقى فى أخلاقيات الإنسان وأسلوب تفكيره وحجم تعاطفه مع الآخرين. وقديماً كان يقال إن الأزمة تؤدى إلى ترقيق مشاعر البشر وتجعلهم أكثر قرباً من بعضهم البعض، وأشد تعاطفاً مع بعضهم البعض. ومواجهة فيروس كورونا أو غيره من المخاطر التى تهدّد حياة البشر تفرض عليهم التآزر وليس التعارك. هذا الجانب من حديث «كورونا» لا بد أن تتنبه له وسائل الإعلام العالمية، فلا تستثمر مشاهد مثل الاعتداء على الطالب الآسيوى بلندن كمادة للإثارة، بل كموضوع يصح توظيفه فى تعرية هذا النوع من التفكير الغرائزى الذى يثبت أن عقل الإنسان يسير فى طريق «الضمور»، وأحاسيسه تتبختر على طريق «التبلد»!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ضمور الفكر وتبلد الإحساس ضمور الفكر وتبلد الإحساس



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon