توقيت القاهرة المحلي 21:29:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"ابن مين في مصر؟"

  مصر اليوم -

ابن مين في مصر

بقلم: د. محمود خليل

تصنيف البشر إلى فئتين أو صنفين مسألة قديمة فى الثقافة المصرية. أيام المماليك كان المصريون نوعين: أولاً أولاد الناس، وأولاد البلد. أولاد الناس هم أمراء المماليك وأبناؤهم وأفراد عائلاتهم ممن كان يطلق عليهم «الغُز»، أما أولاد البلد فهم الفلاحون والحرفيون وحرافيش المحروسة وزعارها من المصريين العاديين من أهل البلد الأصليين. أولاد البلد كانوا يعملون فى خدمة «الغز»، ولم يكن لأى منهم حق أو حماية فى مواجهة الأمير وآله حال وجود أى خلاف أو سوء تفاهم. ولم يكن هناك مانع فى أن تكون أجرة ابن البلد على عمل قام به لصالح الغُز «علقة». لذا أبدع المصريون المثل القائل «آخر خدمة الغز علقة».

انتهى التاريخ الرسمى للمماليك فى مصر بـ«علقة» نالوها على يد محمد على فى مذبحة القلعة الشهيرة عام 1811، لكن ثقافتهم ظلت باقية مع بعض التعديلات بالطبع. فى عصر مصر الحديثة التى أسسها محمد على أصبح المصريون يصنفون إلى قسمين: «أولاد الذوات» و«الأهالى» الذين كان يطلق عليهم عادة «الفلاحين». أولاد الذوات كانوا يضمون بالطبع أفراد أسرة محمد على، والأتراك والأجانب وبعض المصريين الذين يعملون فى «المعية السنية».

الجديد -أيام محمد على- تمثَّل فى دخول مصريين من «الأهالى» أو الفلاحين إلى فئة «أولاد الذوات». فالمتعلمون فى المدارس التى أنشأها الوالى، وكذلك العائدون من البعثات، أتيحت لهم الفرص للتعيين فى مناصب ومواقع مختلفة داخل دولاب الدولة، وأصبحوا جزءاً من الحكومة. بالطبع لم يكن طريق الصعود الوظيفى للمصريين مفتوحاً قياساً إلى الأتراك والأجانب، لكنهم تمكنوا من وضع أقدامهم على السلم.

فى أية مواجهة تحدث بين أى من أولاد الذوات وفرد من الأهالى، كانت الغلبة فى صالح ابن الذوات. فالصورة الذهنية للفلاح ابن البلد كانت فى منتهى السوء، وكان أولاد الذوات يعتبرونه نموذجاً للمناورة والخبث وقلة العقل والتردى الأخلاقى، ويرونه كائناً لا يجيد إلا الأعمال اليدوية الشاقة التى يتحملها بسبب تبلده.

قامت ثورة يوليو 1952. وكان أول قرار اتخذته إلغاء الألقاب من باشا وبك ومعالى، وأصبح وصف السيد هو المستخدم فى تقديم الجميع. شعار: «ارفع رأسك يا أخى فقد مضى عهد الاستعباد» مجرد شعار ضمن شعارات أخرى عديدة تزاحمت فى الواقع الجديد الذى كان أبعد ما يكون عما تحمله من دلالات. فسرعان ما عادت ريمة إلى عادتها القديمة.

أصبح سؤال «انت ابن مين فى مصر؟» الأكثر شيوعاً على ألسنة المصريين فى أية معركة أو خلاف، وكان يطرح عادة فى مواجهة سؤال تهديدى آخر يقول: «انت عارف بتكلم مين؟». من جديد عاد أولاد الذوات إلى الظهور بعد ثورة يوليو، لكنهم كانوا من المصريين الخالصين هذه المرة، ولم يكن بينهم غز ولا ترك ولا عجم ولا أروام. كانوا فى أغلبهم من نسل العمال والفلاحين وصغار الموظفين من أولاد البلد وأهالى المحروسة، لكن موقعهم الوظيفى وما يرتبط به من نفوذ مثل الأب الحقيقى لهم، وكان فى الأغلب مصدر التورم فى ذواتهم.

المضحك أن أولاد الذوات الجدد كانوا أكثر شراسة ممن كانوا يسيئون إلى أجدادهم بالأمس. انتصارهم على «أولاد البلد» من البسطاء العاديين ليس محل شك، لكن الأمر يختلف حال وقوع المواجهة بين أفراد منهم ينتمون إلى الفئة نفسها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ابن مين في مصر ابن مين في مصر



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:47 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

ميسي وصيفا لـ محمد صلاح تسويقيا

GMT 16:55 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السويد تعتقل عراقيا اتهمته بالتجسس لصالح إيران

GMT 06:05 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

تعرّف على الفوائد الصحيّة لفيتامين "ك" ومصادره الطبيعية

GMT 05:39 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

حقيقة إصابة خالد الغندور بفيروس كورونا

GMT 07:44 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

سيفاس يفوز على دينيزليسبور بصعوبة في الدوري التركي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon