بقلم: د. محمود خليل
الهزة العنيفة التى ضربت المجتمع والنظام السياسى فى مصر بعد نكسة 1967 دفعت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلى التفكير فى انتهاج سياسة جديدة تمنح الآراء ووجهات النظر المختلفة فرصة للوجود. تحدث المرحوم محمد حسنين هيكل فى جريدة الأهرام عن «سياسة الباب المفتوح» بعد أن تعالت الأصوات بالحديث عن أن «النهج الأحادى» فى اتخاذ القرار كان سبباً ضمن مجموعة أسباب أدت إلى النكسة.
عقب الحرب تجرأ بعض الكُتاب وأخذوا فى نقد الأوضاع القائمة. تحدث أحمد بهاء الدين عن بعض مؤسساتنا التى تغرد خارج العصر والعصرية، وتناول آخرون ظاهرة التخلف الإدارى والاعتماد على أهل الثقة واستبعاد أهل الكفاءة عند اختيار القياديين فى المواقع المختلفة. النقد كان يتم على استحياء. فالواقع كان يقول إن النظام السياسى اعتمد على سياسة «الباب الموارب» وليس الباب المفتوح، كما وصف البعض.
كان من الطبيعى أن يكون الباب «موارباً»، فحتى بعد النكسة كان عبدالناصر مطمئناً لشعبيته التى شهدت عليها جماهير 9 و10 يونيو 1967 التى خرجت تطالبه بالاستمرار بعد أن أعلن التنحى عن الحكم وترك رئاسة الجمهورية لزكريا محيى الدين، لكن حجراً كبيراً أُلقى فى النهر المطمئن صبيحة صدور أحكام المسئولين عن النكسة، حين خرج شباب الجامعات وعمال حلوان فى مظاهرات حاشدة يلقون فيها بالمسئولية على عبدالناصر نفسه. لحظتها نظر عبدالناصر من حوله فوجد حقائق جديدة تولد على الأرض، وشعر أنه لم يغلق الباب على المختلفين معه فى الرأى فقط، بل أغلقه أيضاً على نفسه، فبدا حزيناً محبطاً أواخر عمره، فى وقت كان مطلوباً منه أن يبذل جهداً غير عادى من أجل ترميم آثار العدوان الإسرائيلى، والاستعداد لخوض معركة التحرير.
القاعدة تقول إن الاختلاف فى وجهات النظر لا يفسد للود قضية. ولا يصح أن تنظر إلى المختلف معك فى الرأى على أنه خصم أو عدو، ما دام يراعى آداب الاختلاف. تعدد وجهات النظر يثرى القرار، ويحمى صانع القرار، وقد يلقى الضوء على مخاطر غير مرئية يمكن أن تنتج عن القرار.
قبل الخامس من يونيو 1967 وصلت من روسيا إلى مصر معلومات تقول إن الحكومة الإسرائيلية حشدت قواتها على الحدود مع سوريا، فقرر عبدالناصر إغلاق مضيق العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية، كان لدى بعض المسئولين المصريين رأى مخالف خصوصاً بعد وصول معلومات من سوريا تتناقض مع ما يقوله الروس، لكن عبدالناصر أصر على قراره، وقبل الحرب بساعات كان الكل يعلم أن الإسرائيلى سوف يهاجم، فقرر عبدالناصر امتصاص الضربة الأولى، لتتجه بعدها القوات المصرية إلى ردع الهجوم، اختلف معه العديد من القادة فى الرأى، لكنه أصر. وكانت النتائج كما نعلم.
حاول عبدالناصر أن يؤدى بشكل مختلف بعد النكسة، وبدأ يزيح بيديه الباب المغلق ليواربه، ثم يفتحه فى مرحلة لاحقة، لكن بعد فوات الأوان. فاختيار التوقيت السليم معيار من معايير القرار الناجح.