بقلم: د. محمود خليل
فى كل حرب يخوضها البشر يخسر كثيرون، لكن ثمة حفنة من الناس تستفيد من الحروب، وتحقق من خلالها وعبر أيامها مكاسب وأرباحاً، ما كان لها أن تحققها فى الأوقات العادية. يطلق على هؤلاء وصف «أغنياء الحرب». وهم يمثلون ظاهرة تلمع وقت الحروب، أياً كان نوعها، حروب عسكرية أو حروب ضد أوبئة أو حروب ضد كوارث طبيعية وغير ذلك.
أثناء حرب العالم على «كورونا» تجلت هذه الظاهرة وفرضت نفسها على الواقع، وتمكنت مجموعة من الشركات التى يملكها أفراد بعينهم من تحقيق أرباح ومكاسب غير مسبوقة مع انتشار الفيروس وزيادة أعداد المصابين به ولجوء دول العالم المختلفة إلى تطبيق سياسات الإغلاق التى كان لها تأثيرات داهمة على الاقتصاد العالمى. خسائر اقتصادية كبرى تسبب فيها ظهور وانتشار فيروس «كورونا» لدول وشركات كبرى ومتوسطة وصغيرة وعدد من الأفراد لا نستطيع إحصاءهم عدداً.
وفى المقابل تمكنت شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من تحقيق أرباح خيالية نتيجة لجوء دول العالم إلى تطبيق مفهوم «الأداء عن بعد». فلجأت نسبة لا بأس بها من الموظفين والعاملين فى الشركات المختلفة إلى العمل عن بُعد عبر شاشات وبرامج الكمبيوتر، وأصبحت العملية التعليمية هى الأخرى تدار عن بُعد وهكذا.
ولكى يحدث ذلك لجأت الكثير من المؤسسات وكذلك الأفراد إلى شراء أجهزة حاسب وبرامج وانخرطوا بقوة فى العمل عبر مواقع التواصل الاجتماعى.
هذا التحول حقق مكاسب خيالية لشركة مثل «أبل». نشأت هذه الشركة -كما تعلم- أوائل الثمانينات، وحتى عام 2018 كان رأس مالها تريليون دولار، لكنه قفز فجأة إلى رقم 2 تريليون عام 2020، أى تضاعف فى عامين فقط، والفضل فى ذلك يعود إلى فيروس كورونا الذى دفع الكثيرين إلى اقتناء أجهزة إلكترونية من إنتاج الشركة، بسبب ما تتمتع به من قدرة على حماية وتأمين البيانات.
كل جهاز كمبيوتر «آى بى إم» أو متوافق معه يتم شراؤه يصب -كما تعلم- أرباحاً لدى شركة «مايكروسوفت»، فالجهاز الجديد يحتاج نسخة من برنامج ويندوز بترخيص مدفوع.
طيلة الأشهر الماضية زادت معدلات استخدام المواطن العالمى لمواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك وتويتر ويوتيوب» وغيرها. فأمام الفترات الطويلة التى يقضيها الفرد فى المنزل نتيجة إجراءات الحظر لا يجد أمامه من وسيلة للتسلية والتواصل سوى هذه المواقع، والنتيجة طفرة فى حصيلة ما تدره الإعلانات التى يتم إقحامها على المستخدم على أصحاب الشركات التى تديرها.
ثم تعالَ إلى واحدة من كبريات الشركات العالمية فى التسويق الإلكترونى مثل شركة «أمازون». لقد حصدت هذه الشركة أرباحاً كبرى، نتيجة ارتفاع مبيعاتها بشكل جنونى خلال جائحة كورونا، لتصبح أكبر تاجر إلكترونى فى العالم. ولا يخفى عليك أن ذلك تم على حساب صغار التجار والموزعين فى دول العالم المختلفة.
أصحاب هذه الشركات الكبرى هم أغنياء حرب كورونا الذين تمكنوا من مضاعفة ثرواتهم خلال الجائحة، وهم الأكثر دفعاً فى دعم أى توجه حكومى نحو الإغلاق، لأنه يؤدى إلى رواج خدماتهم فى تيسير مسألة العمل عن بعد، وبالتالى المزيد من الأرباح بالنسبة لهم.
اللعبة كبيرة!.