القاهرة ـ مصر اليوم
يوم 6 أكتوبر 1981 كان أهالى الأدهمية غارقين فيما اعتادوا عليه من طقوس استعداداً لإحياء يوم عرفات (7 أكتوبر)، ثم عيد الأضحى (8 أكتوبر). كل البيوت كانت منشغلة بالحدث الموسمى، فانصرفت بعض الشىء عن متابعة الاستعراض العسكرى السنوى الذى يقام احتفالاً بذكرى نصر أكتوبر المجيد، لكن ذلك لم يمنع البعض من متابعة الرئيس -عبر شاشات التليفزيون- وهو يدخل إلى العرض مرتدياً بزته العسكرية ويمسك بعصا الماريشالية. بدأت عروض الأسلحة على الأرض وفى السماء وفجأة انقطع الإرسال التليفزيونى وسمع من كانوا يتابعون العرض عبر أثير الإذاعة المعلق وهو يصرخ: خونة.. خونة. مع قطع الإرسال (راديو وتليفزيون) عن العرض والانطلاق إلى إذاعة أغان وطنية، ورواج أحاديث تقول بأن شيئاً غير طبيعى وقع عند المنصة، بدأ غالبية الأداهم فى الانصراف عن طقوسهم إلى التخمين والتساؤل عما حدث؟.
فى لمح البصر انقسم الشارع الأدهمى فرقاً متنافرة، فريق يؤكد أن شيئاً لم يحدث، وفريق يقول إن الرئيس أصيب إصابة طفيفة، ولكن ويلٌ للأدهمية من انتقامه بعد أن يُشفى، وفريق يصر على أن المسألة أكبر من إصابة. أسرعت الآذان إلى محطات الراديو غير المصرية بحثاً عن معلومة تفض حالة الغموض التى ضربت سماء الأدهمية منذ الساعة الثانية بعد الظهر حتى السادسة، بدأت المعلومات تتناثر هنا وهناك، ثم تبدد الشك باليقين عندما تحولت محطات الراديو والتليفزيون إلى إذاعة تلاوات من القرآن الكريم، ثم انضم إرسال الإذاعة إلى التليفزيون، وخرج حسنى مبارك، نائب الرئيس السادات، على المصريين بالخبر الجلل: «استشهد السادات يوم نصره»، تعمد «مبارك» فى هذا المشهد والمشاهد الأخرى التى أعقبته أن يظهر رباطاً طبياً حول معصمه فى إشارة إلى إصابة لحقت به أثناء الاعتداء على الرئيس.
دعنا نقرأ هذه السطور التى سجل بها نجيب محفوظ شهادته حول ردود فعل المصريين نحو الحدث على لسان أحد أبطال روايته القصيرة: «يوم قتل الزعيم»: «سمع علوان من فى المقهى وهم يقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله. هو وحده الدائم. البلد يواجه خطراً لا يستهان به. لا يستحق هذه النهاية مهما قيل عن أخطائه.. فى يوم نصره؟.. على أى حال كان يجب أن يذهب.. هذا جزاء من يتصور البلد جثة هامدة.. بل هى مؤامرة خارجية.. لا يستحق هذه النهاية.. إنها نهاية محتومة.. مَن قتل يُقتل ولو بعد حين.. فى لحظة انهارت إمبراطورية.. إمبراطورية اللصوص.. فيم تفكر العصابة الآن؟». لا تجد وصفاً أدق مما قدمه نجيب محفوظ للمشهد يوم 6 أكتوبر 1981. كانت مشاعر الأداهم متضاربة أشد التضارب إزاء ما وقع. ترى ما السبب الذى جعل نهاية الرجل الذى حقق نصراً متفرداً على إسرائيل فى أكتوبر تأتى على هذا النحو؟. لم يكن أحد يملك إجابة. سادت «الزهمة» الوجوه.. وضرب الجميع قلق عميق نتيجة سحابات الغموض التى تلف الأدهمية.. آوى الناس إلى البيوت.. وشيع جثمان بطل الحرب والسلام فى جنازة عسكرية رسمية فى وقت خلت فيه الشوارع من المارة خلافاً لحالة التزاحم والصخب التى صاحبت جنازة سلفه فى الحكم الرئيس جمال عبدالناصر.. وسبحان مَن له الدوام.