توقيت القاهرة المحلي 19:17:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هيضة "العميد"

  مصر اليوم -

هيضة العميد

بقلم: د. محمود خليل

أحد عشر عاماً كانت قد تبقت على نهاية القرن العشرين عندما وُلد عميد الأدب العربى عام 1889.

خلال هذه الفترة كانت كلمة «الهيضة» هى أكثر كلمة تتردد على ألسنة البسطاء من أبناء القرى وعشوائيات المدن، وأيضاً بين الكبار. و«الهيضة» هو الوصف الذى خلعه العرب على وباء «الكوليرا»، أما المصريون فكانوا يطلقون عليه «الشوطة» التى تكتسح البشر. وقد توسع البسطاء فيما بعد فمدوا الظلال الدلالية لـ«الشوطة» لتشمل أى عملية موت جماعى تصيب أياً من مخلوقات الله، حتى ولو كان «دجاجاً» تربيه إحداهن فى حوش أو فوق سطح البيت الذى تعيش فيه.

عادات المصريين فى ذلك الوقت كانت توفر بيئة خصبة للأوبئة كى ترتع فيها، بل وترحب بالعديد من الأمراض كى تتوطن بين أهلها.

كان المصريون حينذاك -شأنهم شأن كافة الشعوب القديمة- يحرصون على أن تكون مقابرهم إلى جوار بيوتهم، ناهيك عن عدم وجود أنظمة للصرف الصحى تساعد على تنظيف البيئة التى يعيش فيها الإنسان، بالإضافة إلى عدم تمكن قواعد النظافة من سلوك الكثيرين.

لم يكن تغيير هذه العادات والتقاليد سهلاً بالنسبة للناس، وقد وُوجه الخديو إسماعيل بغضب كبير من جانب الأهالى وهو يحاول إعادة تخطيط شارع محمد على، حين قرر إزالة مقابر الأزبكية ومقابر المناصرة التى كانت تقع على رأس الشارع.

وإذا كان الحال كذلك فى القاهرة، فلك أن تتصور كيف كان حال القرى فى مصر، وهى المحرومة من أبسط الخدمات التى كان أهل الريف يحسدون عليها «أهل البندر».

طه حسين وُلد ونشأ بإحدى قرى مصر «عزبة الكيلو». وكانت تلك القرية من ضمن مواضع عديدة ضربها وباء الكوليرا عام 1902.

كان ذلك العام من أشد الأعوام قسوة على طفولة العميد، فقد شهد فى نصفه الأول وفاة شقيقته الصغرى (4 سنوات). وشهد نصفه الثانى وفاة أخيه فى وباء الكوليرا.

يصف طه حسين مشهد الوباء داخل عزبة الكيلو قائلاً: «كان صيفاً منكراً فى هذه السنة (1902). وكان وباء الكوليرا قد هبط إلى مصر ففتك بأهلها فتكاً ذريعاً: دمر مدناً وقرى، ومحا أسراً كاملة. وكان الأطباء ورسل مصلحة الصحة قد انبثوا فى الأرض ومعهم أدواتهم وخيامهم يحجزون فيها المرضى، وكان الهلع فد ملأ النفوس واستأثر بالقلوب. وكانت الحياة قد هانت على الناس، وكانت كل أسرة تتحدث بما أصاب الأسر الأخرى، وتنتظر حظها من المصيبة».

وكان لأسرة العميد حظ من مصيبة كوليرا 1902 حين اختطفت شقيقه الذى كان قد حصل على البكالوريا للتو وانتسب إلى مدرسة الطب، وكان من الشهامة بحيث اندفع إلى معاونة طبيب القرية فى مقاومة المرض وتخفيف آلام المرضى داخل خيام العزل، فشاء الله أن يلتقط العدوى، حاول الأب عزل ولده المصاب عن إخوته دون جدوى، فقد كان حبيب الجميع، وعلى رأسهم أخوه الصغير «طه حسين». مات الصبى اليافع فترك فى قلب أخيه العميد جرحاً ممضاً وألماً عميقاً، وسكن يوم وفاته (21 أغسطس 1902) فى ذاكرة العميد كواحد من أشد الأيام بؤساً فى رحلة «أيامه».

تغيرت معالم الأمكنة فوق أرض المحروسة خلال العقود الماضية المتراكمة، لكن عادات البشر فى الإهمال، والهروب من مشوار الطبيب، وعدم الالتزام بإجراءات الوقاية، وغير ذلك من أمور وصفها طه حسين، لم تزل باقية.. ما السر فى ذلك يا ترى؟.. هل السر فى المكان أم فى الإنسان؟.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هيضة العميد هيضة العميد



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 10:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

رأس شيطان ضمن أفضل 10 مناطق للغطس في العالم

GMT 21:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

منى عبد الغني توجّه رسالة إلى محمد صلاح

GMT 17:26 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 20 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:09 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا ترد على رسالة طالب جامعي بطريقة طريفة

GMT 11:06 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وكالة فيتش ترفع التصنيف الائتماني للبنوك المصرية

GMT 19:10 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أسعار الكتاكيت في مصر اليوم الجمعة 25 سبتمبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon