بقلم: د. محمود خليل
تصريحات نارية ترددت على لسان الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» عشية الإعلان عن فشل «مصطفى أديب» فى تشكيل حكومة لبنانية جديدة.
هاجم «ماكرون» حزب الله، ووصف الشعب اللبنانى بـ«المخطوف» من قبل طبقة سياسية تفضل مصالحها الشخصية والعائلية والحزبية على المصلحة الوطنية العامة، وهدد الفرقاء اللبنانيين بضرورة الوصول إلى حل وإلا تعرض بلدهم لعقوبات.
مسألة التلويح بالعقوبات ليست بعيدة بحال عن التركيبة العقلية لصانع القرار فى الغرب وهو يتعامل مع المنطقة التى نعيش فيها. فما أكثر ما يفرض من عقوبات أو يهدد بها.
تعامل الأمريكيين مع الإيرانيين واضح، فيما يتعلق بمواصلة فرض العقوبات ومحاصرة طهران بالعقوبات الاقتصادية، وقد وصل الأمر بهم فى التجربة العراقية - عام 2003- إلى حد غزو هذا القطر العربى الشقيق غزواً عسكرياً غاشماً. وقد أدى هذا الغزو كما تعلم إلى ضياع المنطقة بأكملها ودخولها فى حالة فوضى عارمة يسرت لإيران -عدو الأمريكان اليوم وأحد حلفائهم بالأمس- فرصة مد أرجلهم إلى المنطقة.
مشكلة صناع القرار فى الغرب أنهم لا يفهمون العقلية العربية بشكل جيد، لا الأمس ولا اليوم. فبالأمس غزا الأمريكان العراق وسيطروا على بغداد فى ثلاثة أسابيع، وأسقطوا نظام صدام حسين.. فماذا كانت النتيجة؟. إنها ببساطة تغلغل إيرانى غير مسبوق، وتغول التنظيمات الإرهابية بصورة غير طبيعية وصلت إلى حد تكوين «دولة» فى شكل تنظيم أو تنظيم فى صورة دولة، هو تنظيم «داعش»، وأصبح العراق مهدداً بالتفكك، ذلك الوباء الذى تزحف جرثومته فى كل يوم إلى دولة عربية جديدة.
فوجئ ماكرون بنوع من الرفض الجماعى من جانب الساسة اللبنانيين للسير نحو حل توافقى للمشكلة اللبنانية تحت المظلة الفرنسية، فانفلت لسانه باتهام الساسة اللبنانيين بـ«الخيانة الجماعية».
مشكلة «ماكرون» ببساطة أنه لا يفهم العقلية العربية وأساليب تفكيرها والثقافة الحاكمة لها وكيفية تعاطيها مع الأحداث. وهو الخطأ نفسه الذى وقع فيه الأمريكان حين تصوروا أيام غزو العراق أن شعبها الذى يعانى محنة الديكتاتورية والاستبداد، فسوف يستقبل جنودهم بالورد!.
أحد المسئولين الأمريكان عن التحقيق مع «صدام» بعد القبض عليه، حكى أن الرئيس العراقى ذكر له أن الأمريكان سيفشلون، وعندما سأله عن السبب قال له «صدام»: لأنكم لا تفهمون الطبيعة العربية ولا العقلية العربية ولا الثقافة العربية.
تشكك المسئول الأمريكى فى كلام «صدام» فى البداية، لكنه أخذ فى تصديقه بمرور الوقت، عندما سقط العراق فى شرك الحرب المذهبية بين السنة والشيعة، وتحول جنود وضباط الجيش العراقى الذى قرر الحاكم الأمريكى «بول بريمر» تسريحه إلى حركة مقاومة متحالفة مع فلول البعث. وانتهى المشهد بتشكيل تنظيم الدولة «داعش» وتواصلت حلقات السقوط فى هذا القطر الشقيق بالصورة التى تعلمها.
لبنان يعيش مشكلة كبرى. هذه مسألة لا خلاف عليها، وسر هذه المشكلة يتعلق بتدخل أطراف خارجية فى صياغة المشهد بداخله، والطرف الفرنسى هو طرف خارجى أيضاً، ووجوده على خط الأزمة هناك لن يسهم فى حل المشكلة، بل سيضيف عبئاً خارجياً جديداً إليها، قد يزيد من تعقيدها.
على اللبنانيين أن يحلوا مشكلتهم بأيديهم وداخل بيتهم.