بقلم: د. محمود خليل
كانت ساخنة.. وبدأت باشتباك مبكر بين طرفيها.. كذلك يمكن أن نصف المناظرة التى تمت بين جو بايدن (مرشح الحزب الديمقراطى) ودونالد ترامب (مرشح الحزب الجمهورى) على شرف الانتخابات الأمريكية (نوفمبر المقبل).
«ترامب» بدا عصبياً فى مواضع، وحاول أن يعالج عصبيته بحركاته التمثيلية المعهودة.. و«بايدن» كان مرتبكاً فى بعض المواقف، وكان يحاول مداراة ارتباكه بابتسامة بدت مصنوعة.
آلية أساسية اعتمد عليها «بايدن» تتمثل فى «السخرية والتسفيه». السخرية من غرام «ترامب» بملاعب التنس والجولف فى وقت يترك فيه الدولة «تضرب تقلب»، كما ذكر فى سياق تعليقه على أداء الرئيس الأمريكى فى أزمة كورونا التى مثلت مساحة جيدة لبايدن هاجم من خلالها أداء «ترامب»، أما التسفيه فقد بلغ قمته فى اللحظة التى وصف فيها «بايدن» غريمه بأنه أسوأ رئيس فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية!.
فى المقابل، اعتمد «ترامب» على آلية خبيثة فى هذا الطرح الذى قدمه «بايدن» من خلال التلميح إلى أن بعض أفكاره فى الرعاية الصحية والاجتماعية تجعله قريباً من «أهل اليسار» ومن المتعاطفين مع الاشتراكية، فى محاولة لاستدعاء مخزون المكارثية الراقد فى العقل الأمريكى، واستعداء رجال الأعمال، وهم من أكثر الجماعات تأثيراً على مسار الانتخابات الأمريكية، لكنه لم يتمكن من الإفلات من الهجوم على الإعلام -كما تعود- واتهامه بالوقوف إلى جانب «بايدن».
اجتهد «بايدن» فى الظهور فى صورة المحافظ على القيم الأصيلة للمجتمع الأمريكى، فى حين بان على «ترامب» رغبته فى التعبير عن قيم عالم الرأسمالية الجديدة.
لا نستطيع أن نقول إن أحد المرشحين ركب الموقف على حساب الآخر. فكلاهما قدم ما يخدم أهدافه فى الفوز بالانتخابات، لكن استطلاعاً للرأى أجرته قناة «سى إن إن» خلص إلى أن 6 من كل 10 مواطنين أمريكيين شاهدوا المناظرة، وأن النسبة الأكبر منهم وجدت أن «بايدن» قدم أداء أفضل، وأنه بدا أكثر مصداقية من «ترامب».
استطلاعات الرأى عموماً لا يُشترط أن تقدم توصيفاً دقيقاً أو أميناً للموجود على أرض الواقع. ففى الانتخابات الماضية مالت نتائج هذه الاستطلاعات لصالح هيلارى كلينتون، وكان أداؤها أكثر تفوقاً على «ترامب» فى المناظرة التى تمت بينهما، ورغم ذلك فاز الأخير فى سباق الرئاسة. ولا يعنى ذلك بحال أن الأمور سوف تسير هذه المرة مثلما سارت فى المرة الأولى. فأمور عديدة فى نظرة وتفكير المواطن الأمريكى ربما تكون قد اختلفت عما كانت عليه الحال قبل 4 سنوات.
فى كل الأحوال تقدم المناظرة مؤشراً على قيمة وأهمية تعدد وتنوع الأصوات. فالمواجهات بين الأطراف المتنافسة تؤدى إلى تحسين قدرة الجمهور على إدراك الحقيقة واستخلاصها، وبالتالى تطوّر من قدرته على الاختيار، وتعلّم الفرد أن الحقيقة لا توجد فى جعبة أو جراب واحد، وإنما يمكن أن يكون جزء منها لدى طرف، وجزء ثان لدى طرف آخر، وأنها تولد فقط من رحم التفاعل المشترك بين الأصوات المتنوعة.