بقلم: د. محمود خليل
أطراف عدة لعبت أدواراً مختلفة فى صناعة مشهد تفجير برجَى التجارة ومبنى وزارة الدفاع الأمريكى يوم 11 سبتمبر 2001. وقد التقت هذه الأطراف كلها على ساحة واحدة. ساحة الدولة الأفغانية خلال حرب تحرير أفغانستان من الاتحاد السوفيتى (1979- 1988).
السلطات فى مصر الثمانينات لعبت دوراً فى توريد من أطلق عليهم «المجاهدون» إلى أفغانستان. كان «مبارك» قد أفسح المجال للإخوان وغيرها من التيارات الإسلامية للسيطرة على النقابات والمساجد وسمح لهم بالتحرك السياسى داخل الشارع وبعض مؤسسات الدولة. ومع اشتعال الوضع فى أفغانستان وتبنى العديد من الدول الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لفكرة الجهاد ضد الإلحاد، بادر «مبارك» إلى توسيع مساحة مشاركة الجماعات فى الجهاد الأفغانى ليتجاوز الدعم الإغاثى والإنسانى إلى الدفع بالمقاتلين نحو جبال أفغانستان ليقوموا بدورهم فى الجهاد إلى جوار إخوانهم من الأفغان العرب!
ربح «مبارك» من المشاركة فى المشهد الأفغانى كثيراً، فأبعد الكثير من المتطرفين عن مصر، وباع السلاح السوفيتى الذى لا يحتاج إليه للأفغان، ونال جوائز مالية عدة من الأطراف الدولية والإقليمية الداعمة للجهاد ضد السوفيت، وعلى رأسها السلطات فى المملكة العربية السعودية.
صدرت فتاوى عديدة على ألسنة مشايخ المملكة تدعو إلى الجهاد ضد الإلحاد. كما مثلت الممول المالى الأهم للحملة الجهادية التى خرجت من بلاد العرب، فى حين شكَّل الشباب المصرى الكتلة الأكبر والأهم فيها. وليس يخفى عليك أن الخطاب الدينى المصرى عاش حالة من التبعية للخطاب السعودى خلال فترة الثمانينات والتسعينات. وقد لمح المفكر «روجيه جارودى» إلى تفاقم تأثير الإسلام السعودى على حالة التدين داخل مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامى. وتحدد جوهر تأثير الفكر الدينى السعودى على الخطاب الدينى المطروح فى مصر خلال هاتين الحقبتين بالرعاية المالية التى توليها المملكة للمؤسسات الدينية الرسمية والشعبية فى مصر.
كانت الأطراف المختلفة «الأفغان والمجاهدون العرب ومصر والمملكة وباكستان» تتحرك على مسرح الأحداث فى بلاد الأفغان، لكن رقاب الجميع كانت مربوطة بخيوط متينة معلقة فى أصابع من يديرون المشهد فى الولايات المتحدة الأمريكية. وبدأت السيطرة تخف بعد انسحاب السوفيت، إذ لم يعد هناك حاجة للاستمرار فى دعم الجماعات العاملة فى أفغانستان، فبدأت كوادرها تتحرك فى اتجاهات أخرى (العائدون من أفغانستان إلى مصر نموذجاً)، وشرعت قياداتها فى التفكير فى الشيطان الأكبر بعد الفراغ -كما صورت لها أوهامها- من الشيطان الأصغر.
كان تنظيم القاعدة يتحرك بإحساس زائف بأن كوادره من «الأفغان العرب» هم الذين حرروا أفغانستان من الاحتلال السوفيتى. كان ذلك وهماً كبيراً عشش فى رأس أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى، وكانت الحقيقة غير ذلك. فقد أثبت الأفغان العرب فشلاً فى العديد من العمليات التى أوكلت إليهم، وتسببوا فى مشكلات عديدة.
الإدارة الأمريكية كانت تعلم الحقيقة التى حاول قيادات «القاعدة» طمسها أو القفز عليها. وكان ثمة وعى لدى صناع القرار فى واشنطن أن أمريكا ستمثل الهدف القادم للتنظيم، لكن أحياناً ما يكون تمرير عملية ذات حجم كبير مدخلاً جيداً لتمرير عملية أخرى أكثر إلحاحاً وذات حجم أكبر.. والمخرج الهوليوودى -كما تعلم- مبدع على هذا المستوى!