توقيت القاهرة المحلي 22:01:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل أخطأ "الإمام" أم أصاب؟

  مصر اليوم -

هل أخطأ الإمام أم أصاب

بقلم: د. محمود خليل

هل كان الشيخ محمد عبده محقاً حين ندم على مشاركته فى الثورة العرابية؟ وهل كان موفقاً حين اختار طريق الإصلاح الاجتماعى والثقافى كسبيل لتغيير شكل الحياة فى المحروسة مصر أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين؟.

فى مثل هذا الشهر (سبتمبر) من العام 1882 تمكن الإنجليز من احتلال مصر، عقب هزيمة أحمد عرابى فى معركة التل الكبير، وانتهت الهوجة العرابية -كما يطلق عليها بعض المؤرخين- بقيام «عرابى» بتسليم نفسه للقوات الغازية حتى يعامل كأسير حرب. وتم القبض على كل من أحاط بزعيم الثورة وسانده، ومنهم الشيخ محمد عبده، الذى صدر ضده حكم بالنفى خارج البلاد.

فى رحلة النفى والتيه فاجأ الشيخ محمد عبده من حوله بإعلان الندم على المشاركة فى الثورة العرابية، والتوبة عن العمل السياسى، وقال فيما يذكر البعض: «لعن الله السياسة وساس ويسوس وكل مشتقاتها». لا نستطيع أن نقرر هل ترددت الجملة الأخيرة على لسان الإمام أم لا، فلا يوجد فى كتب التاريخ ما يوثقها، لكنها فى كل الأحوال كانت تعكس حاله بعد فشل الثورة العرابية.

اختار محمد عبده طريق الإصلاح الاجتماعى والثقافى، وحتى يتمكن من ذلك رضى بأن يكون جزءاً من مركب السلطة القائمة حينذاك، حتى تفسح له المجال للحديث والكتابة لنشر أفكاره الإصلاحية، وانطلق الرجل بعد ذلك فى رحلة اجتهاد مشهودة من أجل إصلاح ثقافة المجتمع وترشيد سلوكياته، وحاول بقدر كبير من الأناة والتؤدة تفكيك بعض الأفكار التى كان يرى أنها تعرقل حركة المجتمع على طريق التقدم.

ليس هناك خلاف على أن الإمام نكأ جرحاً كبيراً حين اختار طريق «التغيير الثقافى» كمقدمة للتغيير العام فى مصر، لكن المشكلة أن يداً واحدة أو حتى عشرات الأيدى ليس فى مقدورها أن تحدث تغييرات ذات بال فى ثقافة المجتمع. فالأفكار والعادات والتقاليد وأساليب الحياة التى تراكمت عبر عشرات السنين، ليس من السهل أن يتمكن فرد أو مجموعة من تغييرها فى بضع سنين.

ألقى الإمام وتلامذته حجراً فى الماء الثقافى الراكد، فأحدثوا حركة وصخباً لبعض الوقت، يماثل الحركة والصخب الذى أحدثته الثورة العرابية، لكن سرعان ما عاد كل شىء إلى ما هو عليه. ويكفى أن نشير إلى أن نفس الأسئلة الإصلاحية التى طرحها الشيخ الإمام -قبل ما يقرب من قرن ونصف القرن من الزمان- فيما يتعلق بحجاب المرأة ودور العقل فى تفسير النص الدينى، وحتى الأسئلة الاجتماعية المتعلقة بالرشوة واستغلال النفوذ الوظيفى، والسحر والشعوذة وعلاقة البشر بالجن وغيرها ما زالت مطروحة بمنتهى الأريحية على مائدة العقل المصرى حتى اللحظة الحالية.

كان الإمام موفقاً حين انضم لـ«عرابى» ورجاله خلال أحداث الثورة العرابية؛ سعياً إلى بناء سلطة إصلاحية، وكان موضوعياً أيضاً حين اختار طريق الإصلاح الاجتماعى والثقافى بعدها. الحلقة المفقودة فى تجربته تتحدد على الخط الواصل بين عقل السلطة وعقل النخبة وعقل الجمهور. فالإصلاح سلسلة تتمثل حلقتها الأولى فى سلطة مؤمنة بالإصلاح، وحلقتها الثانية فى نخبة تجتهد فى السعى نحو الإصلاح، والثالثة جمهور يعطى أذنه لأصحاب الأفكار الإصلاحية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل أخطأ الإمام أم أصاب هل أخطأ الإمام أم أصاب



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon