عجيب أمر الناس فى بلادنا.. والأعجب منه أمر الحكومة.
منذ بدء تطبيق المشروع الذى تبنته الدولة لتطوير التعليم وما فتئ الدكتور طارق شوقى وزير التعليم يمطرنا بالتصريح تلو التصريح شارحاً وموضحاً أبعاد النظام الجديد الذى يستند إلى منظومة إلكترونية -جوهرها التابلت- فى التعليم والتقويم.
النظام الجديد ووجه بغضب وسخط من جانب أولياء الأمور والطلاب. وعلى مدار شهور طويلة كان التراشق بين الوزير وأولياء الأمور على أشده، وكل طرف يتهم الآخر ويهدده ويتوعده.
الجمهور يتهم الوزير باللجوء إلى نظام إلكترونى دون توافر البنية الأساسية اللازمة لتفعيله بالمدارس أو البيوت.
يكفى أن نشير إلى «الأداء التعبان» لشبكة الإنترنت التى يعتمد عليها هذا النظام.. فالشبكة تسير على سطر وتترك سطراً.. والنظام يقع فى حالة التزاحم للدخول على الامتحانات وغير ذلك من شكاوى أظن أننا حفظناها عن ظهر قلب.
من ناحيته أصر الوزير على توجهه، وبرر زهد الناس فى المنظومة الجديدة بقدرتها على مواجهة مجموعة الظواهر السلبية المرتبطة بالمنظومة الورقية التقليدية مثل الغش الجماعى وتسريب الامتحانات وخلافه.
مؤخراً خرج الوزير وأعلن التراجع عن النظام الإلكترونى فى امتحانات أولى وثانية ثانوى والعودة إلى النظام الورقى عبر «الامتحان المجمع»، خلال الفصل الدراسى الثانى، بهدف تقليل قلق وتوتر الطلاب.
قوبل قرار الوزير بلغط من جانب الناس حول حالة اللخبطة التى أصبحت تضرب نظم الامتحانات.
فى الحالتين (حالة التابلت - وحالة الورقى) بدا الوزير متبرماً من الناس وردود فعل الناس على قراراته.. وفى الحالتين أيضاً بدا الناس ساخطين، سواء عند تطبيق النظام الإلكترونى، أو حين العودة إلى النظام الورقى التقليدى فى الامتحانات.
فى غمرة الجدل المتبادل بين كل من طارق شوقى وأولياء الأمور، لم يلتفت الوزير كثيراً إلى ما ردده منتقدوه من أن البنية التكنولوجية والتعليمية فى مصر لا تساعد بسهولة على التحول إلى المنظومة الجديدة، وأنه نسى فى غمرة الحماس للمنظومة الجديدة أوضاع الاتصالات فى مصر وفى المدارس، وأن التأسيس يسبق البناء.
بدا «الامتحان» هو الشغل الشاغل للوزير.. وبدأ موضوع التطوير وكأن جوهره التحول إلى نظام «الامتحان بالتابلت».
أما الناس فهى فى الأغلب ليست مشغولة بمسألة التعليم قدر ما هى مشغولة بحصول الأولاد على الشهادات.. وأغلبهم يتعامل مع المدرسة كمؤسسة لقيد الأبناء، أما التعليم فمحله الدروس الخصوصية.
ظهر أن جوهر الجدل لدى كل من الوزير والناس هو الامتحانات ونظم الامتحانات المشفوعة بالتابلت. فأولياء الأمور والطلاب رفضوه فى البداية إيثاراً لنظام الامتحان الورقى اللى اتودكوا على العبور منه.. وعندما عاد الوزير إليه كانت الغالبية قد أصبحت ضليعة فى المرور من امتحانات «التابلت» فامتعضت.
جوهر التطوير «تابلت».. ولعبة الامتحانات هى التى استدعت توظيف «التابلت».. أما المحتوى التعليمى.. والأداء التعليمى نفسه.. والكيفية التى يرتقى من خلالها بقدرات الدارس فلا تهم لا الحكومة ولا الناس.
جوهر المشكلة فى أدائنا التعليمى والثقافى والإعلامى هو المحتوى وآليات صناعته ووسائل تمريره إلى الجمهور المستهدف.. المحتوى يا هوووو.