بقلم: د. محمود خليل
كثيرون يعتبون على دول الخليج بذل المليارات بسخاء لصالح الغرب، فى الوقت الذى يشحون به على الدول العربية التى تشكل جزءاً من الكيان القومى الأكبر الذى ينتمون إليه. المسألة ليست عاطفية على هذا النحو، لنعتب على طرف بأنه ينفق المال بكرم حاتمى على الغريب، فى حين يشح به على القريب. ثمة أهداف مصالحية تحكم. وظنى أن غالبية صناع القرار داخل الخليج يعتقدون أن اللعبة الحالية لتوظيف أموال النفط فى تحقيق الطموحات السياسية تكاد تكون اللعبة الأخيرة التى يراهنون فيها على استمرارهم فى مواقع السلطة. فالزمن القادم هو زمن الطاقة البديلة للنفط.
التطويرات فى مجال الطاقة الشمسية لا تتوقف. وقد أصبحت قاب قوسين أو أدنى لتشكل مصدراً للطاقة أقل تكلفة من البترول والغاز الطبيعى. ويتوقع البعض أن توفر الطاقة الشمسية نصف احتياجات العالم من الطاقة خلال سنوات قريبة. كذلك أصبح النفط الصخرى مصدراً بديلاً جديداً للنفط التقليدى، وقد أدى انخفاض تكلفة إنتاجه إلى اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاعتماد عليه، وقد خفضت نتيجة لذلك حجم ما تستورده من النفط بنسبة الثلث.
لعلك أيضاً تتابع التحولات الحادثة فى إنتاج السيارات، وظهور السيارات الكهربائية التى تستغنى عن البنزين أو الغاز. ومن المتوقع أن يزداد زحفها خلال السنوات القادمة نحو الأسواق لتضع سوق سيارات البنزين والغاز فى مأزق كبير. وقد بدأت السيارة الكهربائية تظهر فى شوارع مصر منذ ما يقرب من سنتين.
هذه التحولات تضع دول الخليج أمام امتحان عسير. فالعوامل المستجدة، مثل تطور مصادر الطاقة البديلة، والعوامل المفاجئة، مثل ظهور فيروس أو وباء عالمى كما حدث مع كورونا، يهدد عرش الاقتصاد، وبالتالى عرش السياسة. كما أن الإنفاق غير المحسوب المرتبط ببعض المغامرات السياسية أو العسكرية يعجل من الوصول إلى لحظة مواجهة الحقيقة، واكتشاف المأزق الذى وضعت بعض هذه الدول نفسها فيه، حين آثرت الاستثمار السياسى للمال على الاستثمار الاقتصادى.
هذا الأمر لا ينطبق على دول الخليج وحسب، بل ينطبق أيضاً على بعض الدول الإسلامية مثل إيران. فالكل يتشارك فى استخدام «المال السياسى» لإعادة ترسيم خرائط المنطقة، وإشباع الأهواء والأوهام التى تعشش فى الذهنية السياسية الإسلامية، وتدفع أصحابها إلى الألعاب الخطرة.
لم تتعلم دول الخليج وغيرها من دول «الإسلام البترولى» شيئاً من النماذج الناجحة التى قدمتها دول إسلامية بترولية، اتخذت من مال النفط وسيلة للنهوض الصناعى، مثل دولة ماليزيا ودولة إندونيسيا. وتمثلان تجربتين من أنجح التجارب الاقتصادية الآسيوية، وتقدمان نموذجاً -وخصوصاً دولة ماليزيا- على كيفية توظيف ثروة طبيعية مثل البترول فى إحداث نهضة علمية وصناعية.
تفجر البترول فى الأرض العربية داخل الخليج وغيره من الدول مثّل فرصة استثنائية لإحداث نهضة كبرى تشمل العرب جميعاً، لكنه تحول إلى أداة عكسية حين تخلى عن موقعه الطبيعى فى دنيا الاقتصاد والاستثمار والتنمية والتطوير ليحل ضيفاً ثقيلاً على دنيا الثقافة والسياسة والدين. هنالك تحولت الفرصة إلى تحدٍّ!.