بقلم: د. محمود خليل
قبل الإعلان عن نتائج انتخابات 2016 بالولايات المتحدة الأمريكية كان العديد من استطلاعات الرأى ترجح كفة هيلارى كلينتون، لكن النتائج جاءت لصالح دونالد ترامب. اليوم لا يفصلنا عن الانتخابات الأمريكية الجديدة سوى عدة أسابيع، واستطلاعات الرأى متأرجحة بعضها يقول إن كفة المرشح الديمقراطى «جو بايدن» مرجحة على كفة المرشح الجمهورى «ترامب»، وبعضها يقول العكس. فى كل الأحوال هل يتكرر مشهد 2016 ويفوز «ترامب» رغم أنف الاستطلاعات التى ترجح كفة «بايدن»؟.
«ترامب» يقلل من قيمة الاستطلاعات التى تقل من فرصه. فالحاكم الذى تمتع بشعبية خلال الفترات الأولى من حكمه لا يميل إلى تصديق مسألة أن شعبيته تتراجع أو تتآكل. فى مثل هذه الأحوال يميل الرؤساء إلى ادعاء الإنكار والتأكيد على أنهم على وضعهم، وأن شعبيتهم لم تزل كما هى. لا يفكر أحدهم عندما يواجه بأرقام الاستطلاعات فى النظر فى أدائه وتقييم موقفه وتحديد ما إذا كانت أخطاء أو إخفاقات معينة أدت إلى تراجع شعبيته.
عام 2020 كان فاصلاً فى فترة الحكم الأولى لـ«ترامب»، فخلال هذا العام واجه الرئيس الأمريكى عدداً من الأزمات لم يقدم فى مقابلها أداءً يقنع المواطن الأمريكى. أصعب هذه الأزمات تمثل فى الاعتداءات الشرطية المستمرة على المواطنين ذوى الأصول الأفريقية فى الولايات المتحدة الأمريكية. فمنذ 3 أشهر اندلعت مظاهرات عارمة فى عدد من الولايات الأمريكية جراء مقتل المواطن الأمريكى «جورج فلويد». ومنذ بضعة أيام أطلقت الشرطة النار من جديد على مواطن أمريكى ذى بشرة سمراء بولاية ويسكنسن. مما أدى إلى تجدد المظاهرات التى ترفع شعار «حياة السود مهمة».
لم يحسن «ترامب» إدارة أزمة «قتلى الأمريكان الأفارقة على يد الشرطة». على العكس تماماً أدى بصورة لا تخلو من عنجهية تبرر العنصرية التى أحياناً ما تظهر فى الشارع الأمريكى، وبدلاً من أن يتجه إلى إصلاح قانون الشرطة، سلك طريق «الغشومة» وهدد باستخدام القوة فى مواجهة الأمريكيين المنزعجين من حالة التردى التى أصابت المنظومة القيمية للدولة الأولى فى العالم.
واجه «ترامب» أيضاً أزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية خلال عام 2020. ووقف حائراً أمام ملايين المواطنين الذين ضربتهم البطالة، وهو من وجهة نظر بعض الأمريكيين لم ينجح بالدرجة المطلوبة فى مواجهة الأزمة. وقد توازى مع تفشى فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية فى الولايات المتحدة أحاديث عن الأرقام الحقيقية للصفقات التى عقدها «ترامب» مع بعض دول الخليج، وبدأ البعض يشكك فيها!.
من الوارد أن يتكرر ما حدث فى 2016 فيفوز «ترامب» بالانتخابات، رغم نتائج استطلاعات الرأى التى ترجح كفة «بايدن». فأحياناً ما تكون نتائج الاستطلاعات مضللة بسبب عدم اعتمادها على عينات دقيقة، وعدم الأخذ فى الاعتبار حسابات أخرى معقدة تتدخل فى إدارة ماكينة الانتخابات الأمريكية، لكن ذلك لا يعنى بحال أن «بايدن» معدوم الفرص، خصوصاً إذا أخذنا فى الاعتبار المرتكزات التى يعتمد عليها فى إدارة حملته الانتخابية.
«بايدن» يعتمد على مرتكزين: أولهما «قيم الثقافة الأمريكية» التى تعرضت للاهتزاز وتم التعامل معها باستخفاف ولا مبالاة من جانب إدارة «ترامب»، وثانيهما «التصويت العقابى»، فبايدن يعلم أن الكثير من الأمريكيين يمكن أن يمنحوه أصواتهم ليس حباً فيه، بل غضباً من «ترامب». والشعوب سيد مين يعاقب!.