بقلم: د. محمود خليل
تابعت مثل غيرى حكاية الشاب إبراهيم عبدالناصر بائع الفريسكا الحاصل على الثانوية العامة بمجموع 99.6% من مدرسة شهداء 25 يناير بالإسكندرية. أعجبت باجتهاده وسعيه الذى كلله الله تعالى بالنجاح والتوفيق. معرفة الغالبية بالشاب المجتهد بدأت عبر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعى يتحدث فيه إبراهيم عن تفوقه فى الثانوية وهو يحمل صندوق الفريسكا، بعدها تحول الشاب الصغير إلى بطل من أبطال السوشيال ميديا، وتصاعدت موجات الاهتمام به شيئاً فشيئاً لتنتقل من الافتراضى إلى الواقعى، ومن الشعبى إلى الرسمى.
تحولت تجربة محمد المشتهرة عبر مواقع التواصل إلى فرح كبير، فامتدت إليه الكثير من الأيادى لتساعده وتحفزه. بادرت الحكومة إلى دعمه واتصل به وزير التعليم العالى الدكتور خالد عبدالغفار، وأخبره بالموافقة على توفير منحة كاملة للشاب الذى اختار جامعة الإسكندرية!. الواضح أن المنحة كانت للدراسة بإحدى الجامعات الأهلية -التى انطلقت هذا العام- وليس بجامعة الإسكندرية التى سيلتحق بها الشاب عن جدارة، بفضل مجموعه، لأن جامعة الإسكندرية ما زالت بالمجان فى حدود علمى.
تدفقت بعد ذلك اللقاءات والدعوات الموجهة إلى لقاء الطالب من جانب عدد من المسئولين وغيرهم بصورة بدا الأمر معها وكأنه فرح والكل يتسابق إلى تقديم واجب «النقطة». وزير الشباب والرياضة الدكتور أشرف صبحى دعا الطالب للقاء. رئيس جامعة الإسكندرية التقى الطالب هو الآخر واحتفى به، ونال الطالب صورة مع مجموعة من القيادات من أعضاء مجلس الجامعة. وقِس على ذلك.
الطالب يستحق ولا شك. ومؤكد أنه سعيد بذلك ويحق له أن يسعد. وجميل أن يبادر مسئولو الدولة ونجوم المجتمع إلى تكريمه. فالكل يريد أن يبعث برسالة مفادها أنهم يكرمون العلم ومحبيه والمجتهدين فى ساحاته، وعندما يقترن العلم بشاب يسعى فى حياته بشرف، يعمل ويكد، ويذاكر ويتفوق فإن اهتمامهم يكون أشد وأقوى.
لست أدرى لماذا قفز فى ذهنى فجأة قصة «عبدالحميد شتا» الذى رفضت وزارة التجارة الخارجية تعيينه عام 2002 رغم اجتيازه كل الاختبارات المطلوبة، وقيل له إن سبب رفضه أنه «غير لائق اجتماعياً»، فتأزم المسكين نفسياً وانتحر. أتذكر هذه القصة التى وقعت قبل 18 عاماً من الآن وأتساءل ماذا لو كانت مواقع التواصل الاجتماعى أيامها بقدر الكثافة والانتشار الذى تحظى به هذه الأيام؟. أعلم أن شيئاً لا يغير ما قدره الله، لكننى أفترض افتراضاً تخيلياً وأسأل: هل كان من الممكن أن تنقلب الدنيا لعبدالحميد شتا وغيره من «غير اللائقين» ويمنحون حقوقهم ويكافأون على اجتهادهم؟!.
الإجابة عن هذا السؤال يمكن أن نجدها فى باطن إجابة سؤال آخر يقول: ماذا لو عايشنا واقعة تشابه واقعة عبدالحميد شتا خلال الأيام الحالية؟. هل سنجد من يهرولون بالسرعة نفسها إلى رفع الظلم عن «شتا» -رحمة الله عليه- مع نفحه بالمنح والهدايا رداً لاعتباره المهدر على يد العبارة القاتلة: «غير لائق اجتماعياً». ربما تكون الدنيا اختلفت.
أسأل الله تعالى أن يحفظ الشاب الجميل إبراهيم عبدالناصر، وأن يلهمه الحرص على إلقاء هذا المولد وراء ظهره، وأن يجتهد فى تعلم الطب، ليسطع نجمه، ليس فى سماء مصر وحدها بل فى سماء العالم كله.