بقلم: د. محمود خليل
ينتمى عبدالله بن عمر إلى الجيل الثانى من صحابة النبى صلى الله عليه وسلم، من أبناء كبار الصحابة الأوائل، لكنه كان مختلفاً أشد الاختلاف عن الكثير من رصفائه من أبناء جيله، مثل الحسين بن على وعبدالله بن الزبير بن العوام.
عبدالله بن عمر لم يكن ابن دنيا، بل كان عالماً زاهداً، روى العديد من الأحاديث عن النبى صلى الله عليه وسلم، وامتاز بقدر كبير من الزهد دفعه إلى النأى بنفسه عن المواقف السياسية التى اشتعلت وتفاعلت بعد وفاة النبى، لكن أحياناً ما كانت تدفع به الظروف إلى معتركات السياسة على غير رغبة منه.
ظهر عبدالله بن عمر على مسرح الأحداث لحظة احتضار عمر بن الخطاب، عندما كان الخليفة يضع معايير عمل «أهل الشورى» الستة الذين عهد عمر باختيار الخليفة من بينهم، حين رضى عبدالله الدخول كحكم فى حالة وقوع خلاف أهل الشورى، لكن كُتاب التراث لا يذكرون له أى دور فى هذا السياق، بعد أن استأثر عبدالرحمن بن عوف بالأمر.
فى كل الأحوال كان «ابن عمر» ينأى بنفسه عن مشاهد الصراع السياسى، وعندما كان على بن أبى طالب يحاول ندب أهل المدينة للخروج معه لقتال أهل الشام ويأبون عليه، طلب عبدالله بن عمر، وحرضه على الخروج معه، فقال: إنما أنا رجل من أهل المدينة، إن خرجوا خرجت على السمع والطاعة، ولكن لا أخرج للقتال فى هذا العام، ثم تجهز ابن عمر وخرج إلى مكة.
رفض عبدالله بن عمر أيضاً المشاركة فى الثورة التى شهدتها المدينة ضد حكم يزيد بن معاوية والمسماة بثورة «الحرة»، وعندما استشاروه فى أمر خلع الوالى الأموى عليها رفض ذلك ونصحهم بالسمع والطاعة لبنى أمية.
كان «معاوية» أكثر من يفهم شخصية عبدالله بن عمر، وكذا شخصية كل نظرائه من أبناء كبار الصحابة، يشهد على ذلك مقالته لولده يزيد، لما اشتد به المرض وشارف على الوفاة، قال معاوية ليزيد: «إنى لست أخاف عليك أن ينازعك فى هذا الأمر إلا أربعة نفر من قريش: الحسين بن على، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبير، وعبدالرحمن بن أبى بكر؛ فأما ابن عمر فإنه رجل قد وقذته العبادة، فإذا لم يبق أحد غيره بايعك؛ وأما الحسين بن على فهو رجل خفيف، ولن يتركه أهل العراق حتى يخرجوه، فإن خرج وظفرت به فاصفح عنه، فإن له رحماً ماسة وحقاً عظيماً، وقرابة من محمد صلى الله عليه وسلم، وأما ابن أبى بكر فإن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله، ليس له همة إلا فى النساء واللهو، وأما الذى يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب فإن أمكنته فرصةٌ وثب فذاك ابن الزبير، فإن هو فعلها بك فظفرت به فقطعه إرباً إرباً؛ واحقن دماء قومك ما استطعت».
لست أجد قولاً يلخص شخصية هذا الرجل مثل قوله: «من سئل عما لا يدرى، فقال: لا أدرى، فقد أحرز نصف العلم».