منذ مارس الماضى والولايات المتحدة الأمريكية تتعرض لهجوم إلكترونى من جانب قراصنة. يوم الأحد الماضى توسعت الهجمة وطالت العديد من الخوادم الخاصة بمؤسسات أمريكية شديدة الحساسية، من بينها البنتاجون الأمريكى والبيت الأبيض، ووزارة الخزانة، ووزارة الأمن الداخلى، والإدارة الوطنية للاتصال والمعلومات.
الهجمات كانت دقيقة للغاية، كما تشير تقارير إعلامية، وتمكنت من الوصول إلى معلومات شديدة السرية والحساسية.
المسألة تمت ببطء خلال الأشهر الماضية ثم تسارعت بقوة وتمددت إلى العديد من الوزارات ومراكز صناعة القرار فى الولايات المتحدة، مستغلة انشغال الأمريكيين بالانتخابات الرئاسية، وبالتجاذبات السياسية بين الديمقراطيين والجمهوريين، وصرخات «ترامب» ونغزات «بايدن»، ثم عدم اعتراف ساكن البيت الأبيض بنتائج الانتخابات وجريه فى المحاكم بهدف إثبات نظريته فى تزوير الانتخابات.
فى ظل هذا الانشغال باتت الولايات المتحدة الأمريكية تحت الهجوم، وتمكن قراصنة الإنترنت من اختراق أجهزة المعلومات داخل العديد من الوزارات السيادية.
الإعلام الأمريكى -وكذا بعض المسئولين الأمريكيين- وجهوا أصابع الاتهام إلى الاتحاد السوفيتى. وصرح وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو بأن المحاولات الروسية لاستخدام الإمكانات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة الأمريكية كانت دائمة، وزعم أن الروس حاولوا التدخل أكثر من مرة من أجل إفساد الانتخابات الأمريكية.
الربط ما بين الهجمات الإلكترونية الخطيرة التى تعرضت لها الولايات المتحدة والروس يمثل إرهاصة ضمن إرهاصات عديدة على التحول القادم فى العلاقات الأمريكية - الروسية.
فخلال السنوات الأربع التى حكم فيها دونالد ترامب كانت العلاقة بين الأمريكان والروس هادئة على الأقل من جانب الجمهوريين، اختلف الأمر فقط بالنسبة للديمقراطيين الذين اتهموا إدارة ترامب بالتواطؤ مع الروس لمساعدة «ترامب» على الفوز فى انتخابات 2016. وفى عام 2018 وجهت لجنة مولر تهمة قرصنة حواسيب الحزب الديمقراطى إلى 12 عنصراً فى المخابرات الروسية.
«ترامب» كان يرى فى الصين الخصم السياسى الأخطر والأهم للولايات المتحدة الأمريكية، فى حين لم يكن ينظر إلى روسيا كذلك، بل كان يعتبرها شريكاً للولايات المتحدة فى إدارة العديد من الملفات العالمية.
الوضع مختلف -فى تقديرى- بالنسبة للديمقراطيين الذين قرروا العودة إلى التيمة الأمريكية التقليدية التى تنظر إلى روسيا كأخطر عدو يواجه الولايات المتحدة، ولا يرون فى الصين أكثر من منافس اقتصادى، الذى يمكن ترويضه ومواجهة نموه الاقتصادى الذى يهدد عرش السيطرة الأمريكية على العالم. وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف نفى الاتهامات الأمريكية جملةً وتفصيلاً وسخر منها، وأشار إلى أن ذلك دأب الولايات المتحدة والعديد من الحكومات الغربية عندما تقابل هجمات إلكترونية، فتبادر إلى توجيه الاتهامات إلى الروس.
الهجوم السيبرانى الذى تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية كان خطيراً بكل المقاييس، وهو يضعنا أمام «حرب إلكترونية» حقيقية بدأت رحاها تدور.
والاتهام الأمريكى للروس بالوقوف وراء هذا الهجوم له بعض الوجاهة من زاوية أن روسيا تملك بالفعل الإمكانات التى تساعدها على القيام بمثل هذه الهجمات.
وفى ظنى أن هذه الواقعة سيكون لها تداعياتها على العلاقة بين الولايات المتحدة والروس خلال فترة حكم «بايدن». وقد تشهد السنوات الأربع القادمة تصالحاً مع الفكرة الأمريكية القديمة التى تنظر إلى الروس كعدو رئيسى للولايات المتحدة، بما سيترتب على ذلك من نتائج تتعلق بالأعداء الذين اخترعهم المحافظون الجدد ووضعوهم كبديل للعدو التاريخى التقليدى لبلاد العم سام.