منذ أن حفرها المصريون بسواعدهم شاء الله أن يكون بحر القنال مسرحاً لاختبار صلابة هذا الشعب وقدرته على تجاوز التحديات التى يواجهها.
اللافت أن رحلة التحديات بدأت منذ اللحظة التى ضرب فيها أول معول فى حفر قناة السويس فى أحد أيام شهر رمضان. يومها وقف ديلسبس يخطب فى العمال قائلاً: «باسم شركة قناة السويس البحرية الكونية، وبمقتضى قرارات مجلس إدارتها، نضرب الآن أول ضربة فأس على هذه الأرض، لفتح مداخل الشرق إلى تجارة الغرب ومدنيته، ونحن متّحدون هنا فى إخلاص واحد لصالح مساهمى الشركة ومصالح الأمير النبيل محمد سعيد، منشئها الكريم والمحسن إليها صنعاً».
شارك فى حفر قناة السويس كما تذكر كتب التاريخ نحو 20 ألف مصرى، البعض يقول إنهم كانوا أكثر من ذلك بكثير. فالاتفاق المبرم بين «سعيد» و«ديلسبس» ألزم الحكومة المصرية بتقديم أربعة أخماس العمال الذين تحتاج الشركة إليهم، ولو بلغ عددهم عشرين ألفاً.
نجح المصريون فى إنجاز المهمة ودفع جيل منهم ثمناً غالياً وقدم تضحية كبرى من أجل إتمام المشروع الذى صبّت عوائده فى حجر الأجيال التالية من المصريين.
كانت القناة على موعد مع تحدٍّ آخر أثبت فيه المصريون كامل قدرتهم على الإنجاز. واللافت أنه جاء أيضاً فى شهر رمضان. ففى اليوم العاشر من هذا الشهر الكريم عام 1393 هجرية (6 أكتوبر 1973) تمكن المصريون من إنجاز المهمة التى كان يصفها العدو بالمستحيلة، فعبروا القناة واقتحموا خط بارليف وسطروا ملحمة حرب أكتوبر التى أثبت فيها المصرى قدرته على القفز على محنه وأزماته والعبور من شاطئ اليأس إلى شاطئ الرجاء.
كان التحدى كبيراً لكن المصرى أثبت كفاءته وقدرته، وتمكن بروح أكتوبر من تحقيق النصر وخلع ثوب أحزانه وإحباطه الذى تولد عن النكسة.
ومع الساعات الأولى من شهر شعبان فى يومه السادس عشر عام 1442 هجرية (29 مارس 2021) تمكن المصريون من قلقلة السفينة التى شحطت فى بحر القنال وإعادة تعويمها من جديد لتعود الملاحة بالقناة إلى العمل فى خدمة التجارة العالمية.
تكاثرت الأيدى وأجهدت أذهان المصريين، وتعدّدت التجهيزات، وتواصلت المحاولات حتى تمكنا من فعلها، ليعود كل شىء إلى أصله، الماء إلى الجريان، والسفن إلى الإبحار، والناس إلى أعمالها.
يحتاج المصريون من حين إلى آخر إلى «اختبار صلابة» يثبتون من خلاله قدرتهم على الفعل والإنجاز. وقد مثل شحوط السفينة «إيفر جيفن» واحداً من هذه الاختبارات التى نجح فيها المصريون.
إنجاز يستحق الإشادة، وليته يشكل بالنسبة لنا نقطة انطلاق نحو المزيد من الإنجازات التى نجد أنفسنا فى أشد الحاجة إليها.
أكثر ما نحتاجه فى مصر هو الثقة فى أنفسنا وقدراتنا.. فليكن هذا الإنجاز مقدمة لإطلاق طاقات هذا الشعب، وفتح الطريق أمام ما يمتاز به أهله من قدرات، فهم قادرون بأنفسهم -لو مُنحوا الفرصة- على حل مشكلاتهم.
وإلى جوار الثقة فى النفس نحن أيضاً بحاجة إلى الصدق مع أنفسنا، فالصدق مع النفس هو الطريق الأقصر لحل المشكلات، وهو الضمانة الكبرى لعدم تكرارها.
القناة قناة المصريين وكل إمكانيات هذا البلد هى ملك لأهله، وكل إنجاز أو تطوير لهذه الإمكانيات مردوده على الشعب، لذلك علينا أن نحافظ على ما نملكه بمنتهى القوة والعزيمة والإصرار.