بقلم: د. محمود خليل
فكرة إقامة «دولة إسلامية نواة» كانت فكرة جوهرية من أفكار كتاب «عبدالسلام فرج» المعنون بـ«الفريضة الغائبة»، حيث رأى أن هذه «الدولة النواة» ستُشكل نقطة البداية فى رحلة استعادة الخلافة الإسلامية.
وموضوع الخلافة -كما تعلم- كان حاضراً فى أدبيات الجماعات الإسلامية، على اختلاف أطيافها منذ حسن البنا وحتى أبوبكر البغدادى.
وإذا كان حسن البنا قد اعتمد فى تفعيل فكرة «الدولة النواة للخلافة» على مسارين متوازيين، أولهما التربية وإعادة تشكيل الثقافة الشعبية، طبقاً لرؤية الإخوان، وثانيهما تأسيس النظام الخاص كأداة عسكرية يتم استخدامها فى أطر ومهام محدّدة تخدم أهداف الجماعة فى التغيير، فقد اختلف الأمر بالنسبة لتنظيمات السبعينات التى تأثرت بالأفكار الجهادية التى أسس لها سيد قطب فى كتابه «معالم فى الطريق».
اختارت جماعات السبعينات «نهج العنف» سبيلاً لتحقيق أهدافها، مما جعل أغلب محاولاتها تتسم بقدر واضح من السذاجة، كما ظهر فى خطة صالح سرية مع تنظيم «الفنية العسكرية»، أو بالتأثر الساذج بتجارب دول أخرى تختلف ظروفها جملة وتفصيلاً عن ظروف مصر، وقد تجلى ذلك فى تجربة عبدالسلام فرج الذى انبهر انبهاراً ساذجاً بنجاح «الخُمينى» فى القيام بثورة وبناء جمهورية إسلامية فى إيران، وقرر تكرارها فى مصر، وخدعه بصره وضللته بصيرته حين رأى فى الدكتور عمر عبدالرحمن -أمير ومفتى تنظيم الجهاد- «خُمينى» جديداً، ورأى فى نفسه رئيساً متوقعاً للجمهورية الإسلامية بعد نجاح خطته.
يحتشد كتاب «الفريضة الغائبة» بالكثير من المواضع التى تشهد على تأثر عبدالسلام فرج بفكر سيد قطب فى كتاب المعالم. فقد اعتبر الجهاد «الفريضة الغائبة» فى حياة المسلمين، واستند فى الحديث على أهمية استعادته إلى الكثير من أفكار سيد قطب، وكذلك عندما تحدث عن القتال، وتبرير الحرب الهجومية.
لم يفهم عبدالسلام فرج أن النجاح فى اغتيال رئيس الجمهورية على يد مجموعة إرهابية لا يوفر أى قدرة على تغيير الأوضاع داخل دولة معينة ما دام المجتمع يرفض الأفكار التكفيرية والتجهيلية والجهادية.
فالشعوب تدرك أن من يوجه السلاح إلى صدر النظام لن يتردد فى توجيهه إلى صدر المواطن العادى المتهم -من وجهة نظر التنظيم- بالسقوط فى براثن الجاهلية.
مثّل تنظيم الجهاد أبرز ترجمة عملية لفكرة «السلفية الجهادية»، فالكتلة الأكبر من أعضائه كانت تتبنى الفكر السلفى، ثم جنحت به على يد عبدالسلام فرج إلى طريق العنف ضد الأنظمة الحاكمة وإقامة جمهورية إسلامية بعد أن أبهرهم نجاح الخُمينى فى إقامة جمهورية إسلامية تدين بالمذهب الشيعى الاثنى عشرى.
ويبدو أيضاً أن تجربة «جهيمان العتيبى» الذى احتل الحرم المكى عام 1979، مستنداً إلى فكرة المهدى المنتظر، لم تكن بعيدة عن تنظيم الجهاد.
ومن العجيب أن أياً من فكرتى الخلافة أو المهدى المنتظر لا تنهض أمام أى تحليل علمى متأنٍ.
ففكرة «المهدى المنتظر» تعكس ظلالاً شيعية واضحة: «فكرة الإمام المنتظر»، أما فكرة «الخلافة» فقد أثبت على عبدالرازق فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم» أنها ليست أصلاً من أصول الإسلام، بل مجرد اجتهاد من صحابة النبى، صلى الله عليه وسلم، فى مواجهة ظرف، وأنها تحولت على يد خلفاء بنى أمية وبنى العباس وبنى عثمان إلى ملك عضوض، ساده الاستبداد وقهر الشعوب.