بقلم : محمود خليل
لا بأس من أن يتحدث عضو مجلس النواب المصري محمود بدر فيقول إن بناء المستشفيات مقدم على تشييد المساجد، فنحن بالفعل بحاجة إلى أن يكون بناء المستشفيات وتزويدها بما يلزمها هدفاً أساسياً من أهدافنا بعد تجربة كورونا بموجاتها المختلفة وأحاديث البعض عن ظهور أوبئة جديدة.
ولا بأس أيضاً من أن تعلق وزارة الأوقاف على هذا الطرح مشيرة إلى أهمية بناء المستشفيات وأهمية أن يتبرع الناس لها كما يتبرعون لبناء المساجد، وأن التبرع لعلاج الناس صدقة جارية، تماماً مثل التبرع لبناء مكان للتعبد.
أنا معهما تماماً فى أن بناء المستشفيات والمدارس والجامعات يعد أولوية على ما عداه، لأن هذه المشروعات هى التى تيسر مساحة لبناء الإنسان، جسماً وعقلاً.. كما أن دورها يتكامل مع دور المسجد فى البناء الروحى للإنسان.
لكننى فى المقابل لا أرى ضرورة للزج بقضية تجديد الخطاب الدينى فى هذا السياق. فليس المقصود من التجديد تهميش أماكن التعبد فى حياة المؤمنين بديانة سماوية معينة وإهمالها.
تجديد الخطاب الدينى يعنى تطوير فهم المؤمن لقضايا دينه تبعاً لمتغيرات ومستجدات عصره (العصرنة) مع تفعيل القيم النبيلة الثابتة التى توافقت عليها كل الأديان بالشكل الذى يؤدى إلى ترسيخ علاقات إنسانية أرقى (التطوير) بالإضافة إلى تحرير العقل الدينى مما علق به من شوائب وأفكار وخرافات لا تمت إلى الدين بصلة (التحرير) ووضع حد لاستغلال الدين كأداة لتحصيل المغانم الدنيوية بالضحك على عباد الله (التنوير).
ذلك هو المفهوم الذى أتصوره لقضية تجديد الخطاب الدينى، وهو مفهوم لا علاقة له من قريب أو بعيد بمسألة الاهتمام ببناء المساجد أو إهمالها، أو ترك التبرع لها وبذل المال فى مشروعات غيرها.
أخشى أن أقول إننا لا نتعامل مع مشكلاتنا بالدرجة المطلوبة من الجدية والعقلانية. فنحن بحاجة ملحة لتجديد فهم الناس للدين، لكن عندما نربط قضية التجديد بمحاصرة المساجد، بما تحمله من رمزية دينية، فإننا نخسر القضية، وبدلاً من أن نعمل فى اتجاه العقل الذى يعد الهدف الرئيسى للمجددين نعمل فى اتجاه مبان.
أحد أهداف تجديد الخطاب الدينى يتمثل فى محاصرة الإرهاب. والإرهاب لا يولد فى المسجد بل فى عقل إنسان يحتشد فكره بالضلالات التى غذاها فيه أطراف لها أهداف معينة، تسعى من خلالها لتوظيف الدين فى خدمة أغراض دنيوية. والمسجد كمبنى لا علاقة له بالمسألة.
ويبقى أن بناء وتطوير مستشفيات مصر أصبح ضرورة لا بد منها، وباتت المشروع الأهم الذى يجب أن يتبناه كل من المجتمع والدولة بكافة مؤسساتها.
المجتمع الأهلى له دور فى هذا السياق. ومن المهم بالفعل أن توجه وزارة الأوقاف وكافة المؤسسات الدينية الناس إلى القيمة الإنسانية الكبرى للتبرع للمستشفيات، بشرط الشفافية الكاملة فى الإعلان عن التبرعات ومسارات توجيهها، لأن للبعض تجارب سيئة مع مستشفيات ظلت تجمع تبرعات لعشرات السنين ولم تكتمل خدماتها حتى الآن، وقد أثير حول بعضها شبهات فساد.
ومن المهم فى المقابل أن نشير إلى أن مجرد التبرع لبناء مستشفيات لن يحل المشكلة إذا لم تنزل الحكومة بثقلها كاملاً وتتفهم أن تطوير المؤسسة الصحية لدينا أصبح واجب الوقت.