مع مطلع الألفية الثالثة توقع البعض أن يكون القرن الحادى والعشرون «قرن الأديان» بلا منازع. لم يكن هذا البعض يعنى بحال عودة الشعوب إلى الأخلاقيات الرفيعة التى تحث عليها كل الأديان، بل قصد الحديث عن الدور الذى ستلعبه الأديان فى خلق الصراعات بين البشر.
فى كنيسة نوتردام بمدينة «نيس» الفرنسية قام فرنسى من أصل عربى -يوم الخميس الماضى- بطعن رجل وامرأتين كانوا يتعبدون لخالقهم. الحادثة الإرهابية تأتى فى سياق حالة التوتر الذى تعيشه فرنسا حالياً.
عمدة «نيس» وصف ما حدث بأنه جزء من مسلسل «الفاشية الإسلاموية»، فى حين حمَّل إيمانويل ماكرون ما سماه «الإرهاب الإسلامى» مسئولية ما حدث.
الإرهابى اسمه «إبراهيم» وهو مسلم الديانة، وقد اختار «كنيسة» لكى تكون مسرحاً لجريمته، وقرر أن يكون ضحاياه من المتعبدين بها، حتى تحمل العملية التى قام بها الدلالة المطلوبة. فى المقابل خرج عمدة «نيس» متحدثاً عن «الفاشية الإسلامية» و«ماكرون» متحدثاً عن «الإرهاب الإسلامى» فى محاولة لإضفاء دلالة محددة أيضاً على الحادثة.
إنها لعبة «استثمار الأديان» التى يحاول البعض الاستفادة منها، وخلق المزيد من الصراعات تأسيساً عليها، ليصبح العنف باسم الله. والله تعالى برىء من الدماء التى تُسفك بغير حق.
إنها اللعبة القديمة المتجددة التى تجد فيها أفراداً وجماعات ومؤسسات ودولاً تمتطى ظهر الدين من أجل تحقيق أهداف سياسية، أو تصرخ بالدين ومن أجل الدين، لعجزها عن الصراخ بأوجاع وضغوط الدنيا. وهى الأوجاع والضغوط التى يخلقها المستثمرون فى سوق الأديان.
ما يحدث فى فرنسا هو جزء من اللعبة الخطيرة التى يدفع ثمنها الأبرياء. السيدتان والرجل الذين لقوا حتفهم على يد هذا الإرهابى كانوا يتعبدون لله. والإرهابى الذى صرخ «الله أكبر» وهو يسفك دم أناس لا يعرفهم ولا يوجد أى صلة بينه وبينهم كان يتحرك بهوس الدنيا، وردود فعل هستيرية على تصريحات غير منضبطة لمسئولين فرنسيين.
العالم الآن أصبح بين شقَّى رحى تطحن الشعوب الآمنة، شق الإرهاب المتأسلم من ناحية، وشق اليمين المتطرف بدول الغرب من ناحية أخرى.
الإرهاب المتأسلم يضرب بهستيرية، لمجرد ثرثرات دعائية يصرخ بها بعض المسئولين بالغرب لأهداف دعائية وانتخابية بحتة، مدارها مغازلة اليمين المتطرف، ولا يأبهون لتأثير ذلك على حالة الاستقرار داخل مجتمعاتهم.
فى الولايات المتحدة الأمريكية توجد جماعة يمينية متطرفة اسمها جماعة «كيو كلوكس كلان» تؤمن بتفوق العرق الأبيض على ما عداه، وترفض فكرة اختلاط الأعراق، وترى أن الله تعالى منح أرض أمريكا للبيض. أعضاء الجماعة يرفضون الآخر الدينى والآخر العرقى.
قبل 6 أيام من انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 أعلنت جماعة «كلان» تأييدها لترامب ودعمها له، بسبب تصريحاته التى كان يغازل بها أفكارهم.
لم يدركوا أن «ترامب» يغازل لأهداف انتخابية ليس أكثر. والدليل على ذلك أنه قبل 6 أيام من الانتخابات الحالية، أعلن رفضه للأفكار العنصرية التى تنادى بها جماعة «كلان» وجماعة «أنتيفا»، كرد فعل على اتهامات «بايدن» له بالعنصرية.
الساسة يلعبون لحسابهم الشخصى فى سوق الأديان.. والضحايا هم البسطاء من أبناء الشعوب.