بقلم: د. محمود خليل
انطلقت مفاوضات كينشاسا -عاصمة الكونغو- بين مصر والسودان وإثيوبيا.. ولا أحد يعلم إلى ماذا ستنتهى.
استبقت وزارة الخارجية الإثيوبية المفاوضات ببيان دعت فيه مصر والسودان إلى التخلى عن اتفاقية 1959 التى تُحدّد حصص الدولتين فى المياه بما يعادل 55.5 مليار متر مكعب لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان.
تحدّثت وزارة الخارجية الإثيوبية عن تهديد مصر لها، ونسيت أن السد الذى تبنيه هو أكبر تهديد وجودى تواجهه مصر فى تاريخها الحديث والمعاصر.
العمل يجرى على قدم وساق، كما أعلنت السلطات فى أديس أبابا، للتحضير للملء الثانى، وخرجت رئيسة الدولة لتعلن أن الملء سيتم فى موعده (يوليو 2021)، وذلك قُبيل ساعات من انطلاق المفاوضات.
هذه التصريحات المتزامنة مع الاجتماعات التى انطلقت فى الكونغو مؤخراً تطرح سؤالاً حول جدوى المفاوضات مع دولة يفكر مسئولوها بهذه الطريقة؟
كلام إثيوبيا واضح.. إنها ترفض فكرة الحصص، وترى أن النيل الأزرق الذى يمد نهر النيل بما نسبته 85% من مياهه نهر إثيوبى من حق أديس أبابا أن تجلس على شاطئه وتقسّم مياهه على الدول الثلاث كيف شاءت وشاء لها الهوى، سنوات طويلة من المفاوضات استهلكتها إثيوبيا فى المماطلة والمراوغة من أجل تمرير الوقت والارتفاع بالسد وفرض أمر واقع.
فى العام الماضى، حجزت إثيوبيا 5 مليارات متر مكعب مياه وراء السد، وحين استوضحت مصر الأمر أعلنت أديس أبابا أنها لم تفعل، وبعدها بـ48 ساعة احتفل مسئولوها بالانتهاء من الملء الأول للسد.
هذا العام تريد إثيوبيا أن تمر بالملء الثانى (13.5 مليار متر مكعب)، وإذا أفلحت فى ذلك فقد قُضى الأمر الذى فيه تستفتيان وأصبحت كل من مصر والسودان رهينتين فى يد أديس أبابا، فليس فى مقدور أحد تغيير الوضع على الأرض بعد الملء الثانى، حيث ستُصبح أديس أبابا المتحكم الأول فى الأمر، وحتى لو فرضنا أن هناك اتفاقية وقّعت لتنظيم المراحل التالية للملء أو التشغيل، فمن يضمن لنا أن تلتزم إثيوبيا بها؟
خبرتنا مع إثيوبيا تقول إنها لا تريد الالتزام بشىء.. إن كلمة «مُلزمة» التى تصف بها حكومتا القاهرة والخرطوم أى اتفاقية يتم التوصل إليها تُكهرب المسئولين فى أديس أبابا، لأنهم ببساطة لا يريدون الالتزام بشىء.
كان من الممكن أن نطمئن إلى المفاوضات لو أنها انطلقت من خطوة تأسيسية تتمثل فى تأجيل الملء الثانى لحين التوصّل إلى اتفاق مرضٍ بين الدول الثلاث، لكن ما حدث كان العكس، لقد انطلقت المفاوضات بالتزامن مع تصريحات إثيوبية رسمية تُعرب عن إصرار أديس أبابا على إنفاذ خطوة الملء الثانى فى موعدها، طبعاً مرور إثيوبيا بهذه الخطوة يعنى تحول السد إلى أمر واقع ويضيّق فرص التعامل معه، كما يشير إلى ذلك الكثير من الخبراء، الأمر الذى يضع دولتى المصب فى حارة سد.
مفاوضات كينشاسا تتم فى أجواء غير مواتية بسبب التصريحات الإثيوبية المستفزة، ولست ممن يرون أن هذه التصريحات هدفها الرأى العام الداخلى هناك.. التجربة تقول إن تصريحات مسئولى أديس أبابا جادة فى إملاء إرادتها وفرض الأمر الواقع.