بقلم: د. محمود خليل
أرقام كورونا تنفجر فى أوروبا وروسيا وأمريكا. فى 24 ساعة تجاوز عدد المصابين بالفيروس فى فرنسا 30 ألفاً.. وفى روسيا تخطى عدد المصابين فى يوم واحد الـ14 ألفاً.. وفى الولايات المتحدة الأمريكية انفجرت «حسّابة كورونا» عندما تجاوز العدد اليومى للمصابين 60 ألف مصاب.. مع العلم بأن معدلات الإصابة بهذه الدول لم تصل إلى هذه الأرقام من قبل.
بادرت فرنسا ومن بعدها بلجيكا إلى فرض حظر للتجوال الليلى وإغلاق المطاعم والكافيهات. دول أوروبية أخرى تحذر مواطنيها بضرورة الالتزام بإجراءات الوقاية حتى لا تضطر إلى اتخاذ قرارات بالإغلاق.
العالم يقف فى مواجهة فيروس مُرّ، لكن الأمرّ منه اللجوء من جديد إلى سياسات الإغلاق. أغلب دول العالم المتقدم لم يعد فى مقدورها تحمل ضريبة الإغلاق، وتسييل الأموال اللازمة لدعم المشروعات الصغيرة، وتوفير إعانات البطالة لطوابير العاطلين عن العمل والذين يزيدون بإيقاع مرعب مع كل إجراء احترازى تتخذه الحكومات.
أصبح الجميع أمام كأسين أحلاهما مر: كأس الفيروس وكأس الإغلاق.. ولم يعد هناك سبيل أمام العالم للهروب من «مشهد الكأسين المريرتين» سوى التآزر من أجل إيجاد لقاح أو علاج ناجح للفيروس، لكن يبدو أن الطريق مقطوع على فكرة الوصول إلى «تعاون عالمى» حقيقى من أجل الوصول إلى حل فى مواجهة خطر يهدد الجميع.
فكل دولة من الدول الكبرى تريد أن تحتكر سوق اللقاح والعلاج. الصين أعلنت عن الوصول إلى فاكسين وأدوية وعلاجات للفيروس.. وروسيا كذلك.. الرئيس ترامب وعد الشعب الأمريكى بتوفير العلاج الذى شفاه من فيروس كورونا بالمجان لكل مواطن أمريكى.
حكومات هذه الدول وغيرها تتحدث عن حلول تم التوصل إليها، لكنها ما زالت تعانى من الجائحة وأرقام الوفيات والإصابات بالفيروس تتلاحق بها. وهو أمر يدفع الشعوب إلى التشكك فى المعلومات التى يتم تداولها فى هذا السياق، والشعور بأنها لا تزيد عن تصريحات هدفها الاستهلاك المحلى وتهدئة المروعين بالخطر، أو تدليك الناخبين بهدف الحصول على أصواتهم.
الزيادة المفرطة فى أعداد المصابين بكورونا ستؤدى إلى إغلاق العالم، دون الحاجة إلى اتخاذ قرارات رسمية بالإغلاق. فتوسع خريطة العدوى سيؤدى إلى ركود الأسواق وتوقف حركة المال والأعمال. فالخوف يولد حالة من الصمت والسكون لدى البشر، ويؤدى إلى فرار رأس المال، وسيكون لذلك تأثيرات داهمة على الاقتصاد العالمى حتى لو فتحت كل الدول أبوابها.
لقد تمسك العالم كثيراً خلال الأشهر الماضية بالحلول التقليدية التى تعتمد على تعليق الحياة والأنشطة البشرية، أو تؤكد إجراءات احترازية معينة تلتزم بها الشعوب والحكومات. والتجربة تقول إن هذه الحلول لم تُجدِ.. لماذا لا يتجه تفكير العالم من خلال منظماته الأممية ودوله الكبرى إلى فكرة التعاون والتنسيق من أجل الوصول إلى لقاح أو علاج للفيروس؟
العالم فى حاجة لأن يحيا «لحظة حقيقة» يتعلم فيها أن المخاطر الكبرى لا يصح فيها استدعاء قيم الاحتكار والرغبة فى السيطرة وتوظيف الأدوية لأهداف اقتصادية أو انتخابية.
تحدث العالم كثيراً خلال الشهور الماضية عن نظافة البدن كوسيلة للوقاية من كورونا.. آن الأوان أن يلتفت ولو للحظة إلى «نظافة الأخلاق». فقد بات الجميع فى أمَس الحاجة إلى كأس ثالثة إلى جوار الكأسين المريرتين.