مجموعة من الأطفال يطرقون على علب الصفيح ويهتفون: «يا لطيف الطف بنا.. إحنا صغار إيه ذنبنا».
هذا المشهد تجده حاضراً فى الكثير من الروايات والسير الذاتية التى تصف الأحوال فى مصر خلال القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين.
اعتاد البسطاء من المصريين اللجوء إلى السماء فى مواجهة ما تعجز أيديهم عن التعامل معه على الأرض.
فى قرى مصر ونجوعها وأزقتها وعطفاتها، دأب الكبار على إخراج الأطفال يدعون الله عز وجل أن يشملهم بلطفه ورحمته فى مواجهة الأوبئة.
أكثر وباء كان يفتك بالمصريين فى ذلك الوقت هو الكوليرا، وأحياناً الطاعون. قرى بأكملها كان الوباء يجعلها أثراً بعد عين.
ليس معنى ذلك أن المترفين من المصريين فى ذلك الوقت كانت حياتهم خالية من الهتاف للسماء وطلب اللطف منها، لكنهم كانوا يستعينون بأسلحة أخرى فى مواجهة الأوبئة، منها مغادرة الأماكن الموبوءة والنزوح إلى غيرها.
ورغم ذلك لم تكن أسباب الأرض تُغنى المترفين من المصريين عن اللجوء إلى السماء فكانوا يبتهلون هم الآخرون إلى الله حتى يرفع عنهم البلاء والوباء.
الفارق بين المترفين والبسطاء كان فى تلك المظاهرات التى ينخرط فيها الأطفال، هاتفين للسماء، طلباً للطف فيما جرت به مقادير الخالق. وكانت الحكمة فى إخراج الأطفال هو البراءة والغفلة عن الدنيا.
الزمان اختلف، وتحولت مظاهرات الهتاف بالدعاء فى الشوارع إلى أدعية على مواقع التواصل الاجتماعى، ينخرط فيها المشاركون على الصفحة بالتعليق والتشيير وغير ذلك من أدوات تتيحها تكنولوجيا التواصل، بالإضافة إلى الدعاء بألسنتهم وفى سريرتهم.
يختلف الزمان وتتباين الأمكنة، لكن إحساس بنى آدم أمام المجهول يظل ثابتاً، ولجوؤه إلى الدعاء عند التعامل مع هذا المجهول الذى يفتك بلا هوادة يظل باقياً.
إنها لحظة يتجلى فيها اليقين الإنسانى بألا ملجأ من الله إلا إليه.
كل شعوب العالم تحيا فى ظلال تلك اللحظة هذه الأيام، بعد أن جنّ جنون «كورونا»، وأصبح يضرب بكثرة وفى كل اتجاه.
يومياً يسمع مواطنو العالم أخباراً عن مصل أو لقاح يخرج من هذه الشركة أو تلك، من هذه الدولة أو تلك. يستمعون إلى نسب نجاح حققها هذا المصل أو اللقاح. البعض يقول إنه نجح بنسبة 70% والبعض 90% والبعض 95%، ولا شىء يتغير، بل يزداد الفيروس شراسة.
كل يوم يتم الإعلان عن أعراض جديدة للفيروس، قد تضاف أو تختلف عن أعراض الأمس.. وكأنه يلاعب بنى آدم ويسخر منهم.
مئات الألوف من البشر يضربهم الفيروس يومياً، بعد أن كان يضرب بضعة آلاف.
عام كامل مر على العالم، ودخلنا فى العام الثانى، ولا حديث إلا عن الفيروس، وعن أعداد الإصابات وعدد الضحايا الذين حصد أرواحهم.
ماذا تغير فى العالم الذى واجه الكوليرا والطاعون، ويواجه الآن كورونا بذات الحال البائس، رغم ما قطعه العلم من أشواط والطب من مشاوير وتطورات؟.
هتاف البشر للسماء باللطف والرحمة أكثر الأشياء واقعية فى هذا الظرف.. ربنا يلطف بالجميع.