توقيت القاهرة المحلي 04:15:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قست قلوبهم

  مصر اليوم -

قست قلوبهم

بقلم: د. محمود خليل

يتوقف الناس أمام بعض المواقف التى يشاهدونها فى الواقع الحقيقى أو الافتراضى أو عبر شاشات الإعلام ويتساءلون: ماذا حدث للمصريين؟. فبعض السلوكيات باتت شاهدة على فيروس قسوة تغلغل فى أنسجة القلب فاحتلها عن آخرها ولم يترك مساحة للتسامح أو عذر الآخرين.

مشاهد تقلق بال المصريين الطيبين المشهورين بـ«العاطفية» و«الشهامة»، لكن يقلل من حدة القلق بعض المشاهد النقيضة التى يقفز فيها عرق العاطفية والشهامة فى وجوه البعض فيبادرون إلى الاحتكام إلى الأخلاقيات الطيبة للمصريين فى التعامل، ويمدون أيديهم إلى الآخرين.

عندما تقسو الحياة على البشر تقسو قلوبهم على بعضهم البعض. القسوة فى حياة المصريين ظاهرة مصنوعة تدخل فى صناعتها مجموعة من الموروثات والضغوط التى تدفع صاحبها إلى الاستقواء على الغير فى المواقف التى يشعر فيها بأنه الأقوى، والاستسلام له والانبطاح أمام (هذا الغير) حين يحس أنه الأضعف.

ممارسة القوة أو الضعف مسألتان نسبيتان. وعندما تشتد الحياة بضغوطها على الفرد يبدأ فى التسليم بهذه الثنائية النسبية، فيمارس القوة فى اللحظات التى يشعر فيها بالسيطرة على المواقف، ويمارس الضعف والاستسلام حين يجد أن السلامة فى ذلك.

إنها ببساطة ثقافة «عبدالمأمور».. ذلك المثل الذى ظل أجدادنا يرددونه عبر عقوة طويلة، وما زال يحيا ويرعى فى حياتنا حتى الآن. فى قرى مصر كان الخفراء يذهبون للحجز على ما يملكه الفلاح من بهائم وأدوات زراعة وغلة وملابس وغير ذلك إذا امتنع أو عجز عن دفع «الضريبة» للملتزم. وعندما كان أحد بسطاء القرية يلوم الخفير على قسوته وهو ينفذ حكم الملتزم بتجريد الفلاح مما يملك، كان يرد بهذه العبارة: أنا عبد المأمور.

الخفير «المستقوى» على الفلاح الضعيف كان معذوراً، لأن يد شيخ الخفر غليظة وهى قادرة على إلهابه بقسوة إذا قصّر فى أداء المهمة الموكلة إليه. وشيخ الخفر قوى على الخفير، لكنه ضعيف مهزوم أمام العمدة، والعمدة قوى على شيخ الخفر وشيخ البلد، لكنه ريشة لا تقوى على الصمود أمام رياح الغضب التى تخرج من فم الملتزم، والملتزم ضعيف أمام الوالى، والوالى ضعيف أمام السلطان صاحب الباب العالى، والسلطان ضعيف أمام حريمه، والحريم ضعيفة أمام الأبناء، والأبناء ضعاف أمام رغباتهم.. وهكذا تدور الدائرة بلا انقطاع.

أصل مثل «أنا عبد المأمور» هو عبارة «أنا عبد مأمور» التى وصف بها أمين الوحى جبريل عليه السلام نفسه وهو ينقل وحى السماء إلى الأرض، لكن يبدو أن المزاج المصرى حرفها ليضيف الألف واللام إلى كلمة «مأمور» ليفهم منها أن الشخص من هؤلاء هو عبد من يأمره ويملك عقابه.

نحن بحاجة إلى إحلال عبارة «الحق أحق أن يتبع» مكان المثل المقيت الذى يقول «أنا عبد المأمور». والحق هنا هو القانون والعرف والتقاليد والأخلاقيات التى تضغ أساساً للحقوق والواجبات، فكل له حقوق، وكل عليه واجبات، والقانون هو أعدل حكم بين الجميع. هذا التوجه يمكن أن يقلل بنسبة لا بأس بها من الضغوط التى أثقلت كاهل الناس، لترق أخلاقهم، وتصبح بعيدة عن القسوة والغلظة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قست قلوبهم قست قلوبهم



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon