بقلم: د. محمود خليل
مات محمود ياسين.. ومات معه زمن عاشه.. وأمسى ذكرى فى زمن فارق زمانه.
عرفت الفنان الكبير عن قرب، إذ جمعتنى واحدة من الصدف السعيدة به، حين تشاركنا مع مجموعة من الإعلاميين والكتاب فى تحكيم المحتوى الحقوقى داخل عدد من الأعمال الدرامية بالتليفزيون المصرى. أذكر أن ذلك كان فى النصف الثانى من العقد الأول من الألفية الجديدة.
الاستمتاع بالاستماع إلى صوت الإنسان داخل الفنان له مذاق خاص. وقد كان محمود ياسين مثقفاً كبيراً وواعياً بأبعاد المشهد الذى كانت تحياه مصر والعالم مع مطلع الألفية الجديدة، وله فيه رؤية ورأى.
فى جلسات التحكيم عبّر محمود ياسين أكثر من مرة عن إحساس بالمرارة من تدهور مستوى المحتوى الذى يتم تقديمه للمشاهد. كان يكرر باستمرار عبارة «الورق مش قوى». وهو يقصد بذلك السيناريو والحوار الخاص بالعمل. فأصل التميز فى العمل الدرامى من وجهة نظره يبدأ بالفكرة الإنسانية التى يحملها الورق.
أسرّ لى فى إحدى الجلسات بأن الفيلم الوحيد الذى كان يتمنى أن يؤدى دور البطل فيه هو فيلم «الاختيار» للراحل يوسف شاهين، وقد واتته الفرصة لذلك، لكن ظروفاً حالت دون إتمام الخطوة.
أدى محمود ياسين تنويعة من الأدوار التى تشهد على حجم الموهبة التى تمتع بها. أدى فى شبابه دور «الفتى الأول» فى أعمال عديدة، وأدى الأدوار الكوميدية «فيلم الستات»، وعشق الأدوار التاريخية، وقدم خلال السنوات الأولى من تاريخ التليفزيون المصرى دور عبدالله بن الزبير فى السهرة الدرامية «ذات النطاقين». كان يعشق الدراما التاريخية بوجه خاص.
محباً لتراب هذا البلد عاش الفنان الراحل محمود ياسين. شارك فى العديد من الأعمال التى خلدت ذكرى حرب أكتوبر المجيدة، وهو بطل أبرز وأهم الأفلام التى عالجت هذا الحدث الكبير، مثل «بدور» و«الوفاء العظيم» و«الرصاصة لا تزال فى جيبى». ولعل الفيلم الأخير هو أهمها على الإطلاق. كما أن دوره فى فيلم «فتاة من إسرائيل» كان يعبر عن اتجاه قطاع كبير من المصريين الذين أذهلتهم فكرة تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
محمود ياسين من الفنانين القلائل الذين أجادوا إلقاء الكلمة بصوت معبر وإحساس عميق. وقد شارك فى فيلم «الرسالة» للراحل مصطفى العقاد بصوته فقط، حين غرد فى نهاية الفيلم بالحديث عن رسالة الإسلام التى عمت قيمها فى الأرض ناشرة قيم الرحمة والتسامح والوسطية. بل وشارك أيضاً بصوته الأخاذ مع الفنانة «وردة» فى أنشودة «مصر الأمل».
قدم الفنان الكبير عطاء فنياً سخياً متنوع الأشكال والألوان، واستغل كل فرصة تتاح له ليعبر من خلالها عن موهبته العريضة.
أظن أن محمود ياسين لم ينَل التكريم أو التقدير الرسمى الذى يستحقه أو يجازى عطاءه للفن المصرى كأهم أداة من أدوات القوة الناعمة لمصر، لكن الفنان الكبير يسكن -على المستوى الجماهيرى- قلوب محبيه وعشاق فنه. وقد كرر لى أكثر من مرة خلال اللقاءات التى جمعتنى به أن ذلك ما يهمه بالضرورة وفى المقام الأول.
رحم الله المبدع الكبير محمود ياسين وأجزل له العطاء.