بقلم: د. محمود خليل
وقعت الواقعة فى 11 سبتمبر عام 2001، وتم نسف برجى التجارة العالميين بطائرات انتحارية، وضُرب مبنى وزارة الدفاع الأمريكية.
أمريكا تحت الهجوم. كانت تلك هى العبارة التى تتردد على ألسنة الجميع.
خرج الرئيس الأمريكى «بوش الابن» الذى كان قد تولى رئاسة الولايات المتحدة منذ عام واحد، وأعلن أن تنظيم القاعدة هو من قام بالهجوم. وهو ما أكده أسامة بن لادن فى ما بعد.
قسّم «بوش» العالم إلى محورين: محور «دول الخير» ومحور «دول الشر»، وأعلن صراحة أن أمريكا سوف تضرب الإرهاب حيث هو كائن وفى أى دولة كان، كما أن أى شرير سيمنعها من ذلك فستعتبره «إرهابياً». وبالمناسبة كان «بن لادن» يقسّم هو الآخر العالم إلى فسطاطين: فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر، بعد الهجوم الكبير الذى قامت به الولايات المتحدة على أفغانستان والضربة العنيفة التى وجهتها إلى جماعة طالبان، بدأ «بوش» والإعلام الأمريكى ينسج مجموعة من الهالات الأسطورية حول صدام حسين ويقدمه للعالم فى صورة «إله الشر».
تحدث «بوش» ومعه الإعلام الأمريكى كثيراً حول أسلحة الدمار الشامل التى يخزنها العراق، وكذّب لجان التفتيش الدولى التى نفت هذه المزاعم، وأعلن أن صدام يتعاون مع القاعدة، وأنه ليس من المستبعد أن يزود الإرهابيين بسلاح دمار شامل يستخدم ضد الأمريكيين.
كان «بوش الابن» عراباً حقيقياً لفلسفة المحافظين الجدد الذين أحاطوا به مثل ديك تشينى ودونالد رامسفيلد وكونداليزا رايس وريتشارد بيرل وبول وولفويتز وجون برايمر (حاكم العراق فى ما بعد)، وترتكز هذه الفلسفة على التدخّل العسكرى فى دول العالم وفرض السلام بالقوة واحتقار الحركات اليسارية.
وترتكن جماعة المحافظين الجدد إلى مدخل دينى فى أدائها السياسى. وليس أدل على ذلك من تلك العبارات التى تردّدت على لسان «بوش الابن»، وهو يبشر الأمريكان بفتح العراق، حين وصف حربه عليها بأنها «حرب مقدسة»، وأنه يتحرك فى قراراته بـ«نداءات تأتيه من السماء»، وغير ذلك.
فى أبريل 2003، تمكن الأمريكان المدعومون بالبريطانيين من دخول بغداد وسقط نظام حكم صدام حسين وتفكك الجيش العراقى وانهارت الدولة. وبعد الغزو سلّم الأمريكان العراق للإيرانيين على طبق من فضة، وهم الذين كانوا يدعمون بالأمس حرب صدام ضد نظام الملالى، خوفاً من تصدير الثورة ونشر الإسلاموية فى منطقة الشرق الأوسط!.
أصبح العراق مرتعاً خصباً للجماعات المسلحة من كل نوع. وصعد نجم أبومصعب الزرقاوى، الذى خاض تجربة الحرب ضد السوفيت فى أفغانستان برعاية الولايات المتحدة، وقام بالكثير من التفجيرات فى العراق وعند مقتله عام 2006 أعرب العديد من المسئولين الأمريكيين والأوروبيين عن ارتياحهم.
أسس أبومصعب الزرقاوى تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، والذى شكل فى ما بعد نواة لتنظيم «داعش»، ويكاد الزرقاوى أن يكون المؤسس الحقيقى للتنظيم الأخير.
ظل «الزرقاوى»، حتى مصرعه فى غارة أمريكية، موضع إعجاب كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية فى إدارة «بوش»، وواحدة من فريق المحافظين الجدد، وأشادت بالمهارات العسكرية التى تمتع بها ووضعته فى مصاف جنرالات الحرب الأهلية الأمريكية!.
المضحك فى الأمر أن المحافظين الجدد استداروا إلى الداخل الأمريكى والغربى، بعد أن قاموا بـ«حربهم المقدسة» فى الخارج!.