توقيت القاهرة المحلي 10:36:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خطورة "تقديس الفرد"

  مصر اليوم -

خطورة تقديس الفرد

بقلم: د. محمود خليل

الإسلام دين ينهى عن تقديس الفرد، ونظرة الخالق إلى البشر نظرة متعادلة متساوية مهما بعدت بهم الأماكن أو الأزمنة. فالكل محاسب أمام الله تعالى. وليس من حق جيل أن يكون قيماً على جيل آخر. من الوارد أن يستفيد جيل لاحق من تجارب جيل سابق، لكن الاستفادة شىء والقوامة شىء آخر.

ويتصور البعض أن جيل الصحابة والأجيال الأولى من التابعين يتمتعون بنوع من القوامة على الأجيال التالية من المسلمين، ويضعونهم فى مرتبة تعلو بهم على البشر العاديين. ولو تأمل هؤلاء الكيفية التى أدار بها الصحابة المشهد بعد وفاة النبى فقد يراجعون أفكارهم.

لحظة وفاة النبى صلى الله عليه وسلم كانت لحظة فارقة فى تاريخ المسلمين، فما إن أعلن أن محمداً قد مات حتى ارتج المسلمون وزُلزلوا زلزالاً شديداً. بعض الصحابة فقدوا أعصابهم ولم يصدقوا أن النبى قد مات وانحاز إليهم رهط من المسلمين، فى حين سلّم الآخرون بوفاته صلى الله عليه وسلم مثلما يتوفى كل حى.

كان عمر بن الخطاب على رأس غير المصدقين، فقام يخطب الناس ويتوعد من قال مات بالقتل والقطع ويقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غشية، ولم يهدأ عمر إلا بعد أن استأذن أبوبكر من عائشة ودخل إلى حيث يرقد النبى صلى الله عليه وسلم واطلع عليه وتأكد من وفاته فبكى وقال: «ليس ما يقوله ابن الخطاب شيئاً. توفى رسول الله»، ثم خرج إلى الناس وحسم الأمر بتلاوة الآية الكريمة التى تقول: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ».

حسم أبوبكر الصديق المسألة ولم يترك أية فرصة لتحويل الإسلام إلى «محمدية». فالأصل هو الإسلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو رسول الإسلام الذى دعا إلى الإيمان بالله الواحد الأحد، وكتابه الكريم الذى أنزله على عبده ونبيه، ويعد أن أدى المهمة جرت عليه سُنة الموت التى تجرى على كل حى.

إذن حسم أبوبكر الأمر حين اضطرب المسلمون ورفض بعضهم فكرة أن يموت النبى. واللافت أن عمر بن الخطاب كان ضمن فريق غير المصدقين كما ذكرت لك، رغم ما يذكره «ابن كثير» من أن عمر كان أول مَن توقع وفاة النبى حين نزل قوله تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً»، يومها بكى عمر فقيل له: ما يبكيك؟. فقال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان.. وكأنه استشعر وفاة النبى.

ليس من اليسير تفسير حالة الهلع التى أصابت عمر حين سمع بوفاة النبى رغم أنه كان أول من توقع ذلك. قد يكون مردها فرط المحبة والارتباط من جانب الجيل الذى عاصر النبى بشخصه الكريم، وربما كان تفسيرها الخلط بين محمد النبى ومحمد الإنسان. فمحمد النبى كان مؤيداً بالوحى وصاحب رسالة سماوية ورسولاً من الله إلى البشر، أما محمد الإنسان فيجرى عليه ما يجرى على كل إنسان: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ».

ذوبان الحدود الفاصلة بين محمد النبى ومحمد الإنسان كانت مثار استغراب العرب المكيين حين سألوا كما تقول الآية الكريمة: «وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِى فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً». لم يكن العرب يتصورون أن يكون النبى الذى يطالب أهل الجزيرة بالإيمان بدعوته مثل كل البشر العاديين يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق، كانوا يتوقعون منه أن يؤدى كما يؤدى الأكاسرة والقياصرة والملوك، أن يكون شخصاً خارقاً للعادة يستطيع أن يأتى بما لم يأتِ به غيره. وإلى لحظة وفاة النبى لم يكن بعض العرب قد برئوا من هذه النظرة إلى النبى ويعتبرونه شخصاً فوق العادة أو خارقاً للعادة وصاحب معجزات أو يطلبون منه أن يكون كذلك.

كان البعض لا يستوعب أن القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى للنبى صلى الله عليه وسلم، ولم يفرق بين اصطفاء الله تعالى لمحمد بن عبدالله ليحمل رسالته إلى البشر بما يعنيه ذلك من توافر سمات أخلاقية وإنسانية استثنائية فى شخصه الكريم وبين الاستنتاج الذى خلص إليه بعض العرب من أنه لكى يكون محمد نبياً لا بد أن يكون شخصاً خارقاً للعادة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطورة تقديس الفرد خطورة تقديس الفرد



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon