بقلم: د. محمود خليل
لعبة لطيفة يمكن القول بأنها أكثر الألعاب رواجاً فى «سوق التخريف» خلال السنوات الماضية. إنها لعبة «الحتمية والاختيار».
تربط هذه اللعبة بين ظهور أشخاص معينين على مسرح الحياة وأحداث كبرى وجلل سوف تضرب العالم، يكون الختام فيها هو «نهاية العالم».
مخترعو هذه اللعبة يمطرونك بأحاديث مختلطة حول أحداث خطيرة يشهدها العالم، يشير بعضها إلى زلازل أو أعاصير أو براكين أو غير ذلك، ثم يربطون بين هذه الأحداث وآيات توراتية أو إنجيلية أو قرآنية، ويقدمون لك تأويلات عجيبة لها، خلاصتها أن وجود هذا الشخص أو ذاك فى موقعه لم يأت اعتباطاً، بل بتدبير من السماء، وأن يد الله تعمل فيما يحدث، وبالتالى فعليك أن تتقبل ما يحدث وما تفرزه الأحداث من أبطال بالتسليم.
فيد الله عندما تعمل لا بد أن تتوقف كبنى آدم عن الاختيار، وأن تتقبل الأحداث والأشخاص كحتميات، وكجزء من قدر الله، الذى لا راد لقضائه.
منذ وصوله إلى البيت الأبيض، وبعض دراويش «ترامب» يفرطون فى الحديث عن أنه جاء بإرادة من الله، وأن وجوده داخل البيت الأبيض ضرورة حتى تتم النبوءات التى احتوت عليها الكتب المقدسة، وأنه يمثل شخصية «فلان» أو «علان» التى بشرت النبوءات بظهورها قبل نهاية العالم.
ولأن وجود هذا الشخص شرط من شروط تحقيق النبوءة الخطيرة فلابد أن يمكث فى موقعه إلى الأبد حتى تتم مشيئة الله، ويجرى أمره على العالم، وبالتالى فوجوده حتمى وليس من حقك اختيار غيره، وإلا فأنت تعمل ضد إرادة السماء.
اللعبة تبدو أمريكية، لكن لها نسخ متنوعة فى دول العالم المختلفة.
فى عالمنا العربى تجلجل أصوات شبيهة، تجد آذاناً تسمعها، تحدثك عن نبوءات يتم استقاؤها من كتب صفراء، لا أصل لها.
يسجل أحد هذه الأصوات فيديو يحدثك فيه عن خبر عاجل عن وصول «السفيانى» أو «الأضهب» أو مش عارف مين، وأن هذا الظهور يحمل بشرى بظهور المهدى، وظهور المهدى يحمل نذيراً حتمياً بنهاية العالم. ولا ينسى «الصوت» الآتى من بئر الجهل والخرافة أن يذكرك بأحداث ضربت مواقع معينة من العالم وجاء ذكرها فى النبوءات، وأشخاص ظهروا هنا أو هناك، وأن ظهورهم يمهد لدخول «المهدى» إلى مسرح الحياة، وأن وجود هؤلاء أمر حتمى وليس لك معهم أى اختيار.
أصحاب لعبة «الحتمية والاختيار» يستهدفون سلب الشعوب حقها فى الاختيار وترتيب حياتها على النحو الذى تهواه، وإملاء أوضاع معينة عليها.
حاولت بعض الأطراف أن تلعب هذه اللعبة فى الانتخابات الأمريكية، لكنها لم تفلح فيها، وضرب أغلب الأمريكيين بنبوءات أصحابها عرض الحائط، وقفزوا من «سفينة الإنقاذ الوهمى» التى يقودها «ترامب» وألقوا بثقلهم وراء «بايدن»، ليس حباً فى الأخير قدر ما هو رفض للأول، ومعاقبة له على استخفافه بالشعب الأمريكى، وظنه بأن بمقدوره أن يديرهم بمجموعة من الأساطير والخرافات.
ظنى أن نتائج الانتخابات الأمريكية خطوة البداية فى انتهاء لعبة «الحتمية والاختيار».