مر «ترامب» من البيت الأبيض كما مر غيره. فلا دوام لمنصب ولا دوام لأحد فى موقعه. وسنة الحياة التغيير.
رؤساء أمريكيون كثر حكموا وغادروا وما زال بعضهم على قيد الحياة، مثل جيمى كارتر وبيل كلينتون وبوش الابن وباراك أوباما.
من غادر البيت الأبيض يتذكره الناس فقط عندما يرون صورة له وينسونه فيما عدا ذلك.. فالبعيد عن العين بعيد عن القلب والعقل والتفكير.
أغلب الرؤساء الأمريكيين ممن لا زالوا على قيد الحياة خرجوا من البيت الأبيض بشكل سلس وبما يقتضيه الأمر من أدبيات، إلا «ترامب» فقد أبى أن يخرج إلا بزفة كبرى وأحداث شغب خطيرة أدهشت العالم وهو يتابع فعالياتها وأحداثها.
المسألة ترتبط بالتركيبة النفسية لـ«ترامب» الذى يأبى عليه غروره القبول بفكرة الهزيمة والخروج فى انتخابات، وهو الذى تعود أن يكون الحظ إلى جواره باستمرار.
وراء «ترامب» يصطف ملايين ممن تعجبهم أفكاره ورؤيته القائمة على تجاوز المؤسسة، وتمجيد الفرد، والاستعلاء العرقى.
لا أتوقع لترامب مصيراً مشابهاً لمصير رؤساء أمريكا السابقين، ممن تفرغوا لأداء بعض الأنشطة العامة أو الحزبية أو الإنسانية أو الاقتصادية أو العلمية.
وظنى أن صورة «ترامب» لن تختفى أو تتوارى إلى الظل كما حدث مع رؤساء غيره، بل من الوارد أن تكون حاضرة من حين إلى آخر، سواء على مستوى القضايا السياسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو على مستوى العالم ككل.
فخلافاً لنظرائه من رؤساء الولايات المتحدة يمتلك ترامب جرأة تصل إلى حد الاندفاع، وهو كإنسان صعب المراس فى خصومته، وفى محبته.
وراء «ترامب» يصطف ملايين من الأمريكيين يسمعون أفكار «بايدن» المنفتحة على كل الأعراق فى وقت يؤمنون فيه بالعنصرية، يسمعون كلام بيرنى ساندرز الذى تفوح منه رائحة الفكر الاشتراكى فى وقت يؤمنون فيه بأكثر الأفكار الرأسمالية تقليدية.
هذه الملايين تشكل جمهوراً عريضاً شغوفاً بالاستماع إلى «ترامب». والعدد الكبير والجمهور الواسع عادة ما يثير لعاب هواة الكلام والبقاء فى دائرة الضوء مثل دونالد ترامب.
ومن تابع لحظة خروج «ترامب» من البيت الأبيض ليعتلى ظهر الطائرة الرئاسية للمرة الأخيرة لاحظ توقف «ترامب» أمام الصحفيين، ورغبته العارمة فى الكلام والإدلاء بالتصريحات لهم، وقد تراجع فى آخر لحظة.
الأرجح أن يواصل «ترامب» إطلاق قذائفه الكلامية من حين إلى آخر، وستكون قذائفه تلك موجهة إلى الديمقراطيين وطريقة أدائهم على مستوى الملفات المختلفة التى كانوا ينتقدون فيها أداء ترامب، مثل ملف كورونا، وسيكون النقد عنيفاً إذا أدى الديمقراطيون بنفس الطريقة الترامبية التى سبق وانتقدوها.
قذائف ترامب قد تمتد أيضاً إلى شخصيات أخرى على مستوى العالم، خصوصاً داخل كل من الصين وروسيا، وقد تمتد إلى بعض دول الشرق الأوسط.
سيظل «ترامب» يتحدث عن إنجازاته فى الداخل وعلى المستوى العالمى، وسيجد جمهوراً يسمع له ويهلل ويصفق، ويشارك كلماته وتغريداته.
ومن تابع خطاب الوداع الذى ألقاه أمام مناصريه يجد أنه ختمه بالقول: «سوف نعود بطريقة أو بأخرى».
أمثال «ترامب» لا يحبون الحياة فى الظل.. ولله فى خلقه شئون.