بقلم: د. محمود خليل
فى شهر رمضان الماضى (مايو 2020) خرج علينا وزير التعليم العالى الدكتور خالد عبدالغفار ببشرى ذكر فيها أن مصر ستصل إلى «زيرو إصابات» عندما يبلغ المصابون بكورونا رقم الـ40 ألفاً، وبناء على حسبة رقمية توقع أن يبدأ الوباء فى الانحسار فى منتصف يوليو 2020.
وفى شهر أغسطس من العام الحالى أكد المتحدث الرسمى باسم وزارة التعليم العالى أنه تم التوصل إلى لقاح مضاد لفيروس كورونا تصل نسبة نجاحه إلى 95%، وهو من مجموعة اللقاحات التى تعالج أمراضاً أخرى، تم دمجها مع بعضها البعض، واختبارها على الحيوانات، وأظهرت نتائج جيدة فى مهاجمة خلايا الفيروس.
فى الوقت الذى كان وزير التعليم العالى يتحدث فيه عن الـ«زيرو إصابات» كانت منظمة الصحة العالمية، وكذا مؤسسات علمية عالمية عديدة، تحذر من موجة ثانية من كورونا مع مقدم الخريف، ولم يكن عدد الإصابات فى مصر حينها قد بلغ رقم الـ20 ألفاً، ولم يكن عدد الوفيات قد بلغ الرقم ألف.
وقتها تساءلت وتساءل غيرى عن الأساس الذى بنى عليه الوزير هذا التوقع، لكن لم يجد أحد إجابة، فاكتفى الجميع بالدعاء بأن يصدق توقع الوزير ونصل إلى رقم «زيرو إصابات» ونخرج من حالة الإرهاق الجسدى والنفسى والعصبى التى وضع الفيروس الجميع فيها.
لكن الأيام جاءت بعكس ما توقع الوزير، فالأرقام الرسمية المعلنة تقول إن عدد الإصابات بالفيروس داخل مصر يقترب حالياً من رقم الـ122 ألفاً، وعدد الوفيات يقترب من الـ7 آلاف.
تعالَ إلى لقاح الوزارة، الذى أشار متحدثها إلى أنهم توصلوا إليه، وستجد أن أحد النواب سارع إلى الإعلان عن استدعاء وزير التعليم العالى لسؤاله والاستفسار منه حول هذا الكلام الذى يمثل إنجازاً حقيقياً يعيد إلى الذاكرة إنجازات كثيرة تمكَّن المصريون من تحقيقها، لكن المتحدث هرول إلى إحدى القنوات ليعلن أن كلامه قد فُهم خطأ وأنه لم يصرح بأن الوزارة قد توصلت إلى علاج لكورونا.
عندما تناول المتحدث باسم وزارة التعليم «خبر اللقاح» قفزت إلى ذاكرة الكثيرين صورة وزير التعليم العالى وهو يستقبل إحدى الباحثات المجتهدات التى بشرت بالوصول إلى علاج لفيروس كورونا، وصرحت لوسائل الإعلام بأنها التقت الوزير وعرضت عليه فكرة العلاج، وأنه تبنى البحث الذى قدمته فى هذا السياق بعد أن استمع إلى تفاصيله (كان ذلك فى أبريل 2020).
مجموعة الوقائع السابقة ترسم لك مشهداً حول صورة المؤسسة العلمية لدينا، يحتار أمامها الناظر، دون أن يستطيع أن يقرر هل نحن بصدد أداء علمى حقيقى أم أداء دعائى.
على المستوى الشخصى لا أشك للحظة أن مصر تمتلك خبرات وكفاءات علمية نادرة وقادرة على تقديم الكثير، وليس أدل على ذلك من النجاحات التى قدمها الكثير من علمائنا على المستوى الدولى، وآخرهم الدكتور ماركو زكى الذى حصل مؤخراً على جائزة نيوتين بعد نجاحه فى اكتشاف الجين المسئول عن سرطان الكبد.
نحن لدينا العلماء والباحثون القادرون، ولكن هل لدينا البيئة العلمية التى توفر الأدوات والمناخات والمحفزات التى تمكِّن المجتهدين من الإبداع؟.. أشك!.
فعندما يرتفع صوت الدعاية.. يسكت لسان العلم عن الكلام المباح.