توقيت القاهرة المحلي 00:06:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سوق "التفاهة"

  مصر اليوم -

سوق التفاهة

بقلم: د. محمود خليل

التفاهة كانت ولا تزال موجودة فى كل زمان ومكان، يقبلها البشر ويتعاملون معها فى أحوال كجزء من الحياة، لكن المشكلة تظهر عندما تلف التفاهة الزمان والمكان فتصبح هى الحياة، وتروج بضاعتها فى الأسواق وتصغر الأشياء والأفكار ذات القيمة أمامها.

فى العصر الملكى كانت الأغنية التافهة موجودة، فسمع المصريون «يا شبشب الهنا يا ريتنى كنت أنا» و«ارخى الستارة اللى فى ريحنا» وغيرهما، لكنها كانت تمثل نقطة صغيرة تذوب فى عالم أكبر من الفن الغنائى ذى القيمة الذى كان ينطلق على لسان أم كلثوم وفريد وعبدالحليم وعلى أنغام السنباطى وعبدالوهاب وزكريا أحمد وغيرهم.

حتى نهاية العصر الملكى كانت التفاهة تتجلى فى أحيان عبر الكلمة الهابطة والحكى الساذج فى السينما والمسرح، أو من خلال الدعاية الفجة التى تحتفى بأمجاد الملك فاروق وأجداده.

بدت التفاهة بشكليها الهابط أو الدعائى طبيعية وجزءاً من حركة المجتمع المصرى شأنه شأن جميع المجتمعات، لكنها بحال لم تعبِّر عن حال الثقافة والفن المصريين ككل.

وعندما قامت ثورة يوليو 1952 ظلت القيمة هى الأساس فى تثمين سلعتى الفن والثقافة، وإن شهدت حقبة الستينات والسبعينات تمدداً وانتعاشاً لحركة الدعاية، لكن يبقى أن الأغانى الوطنية التى كان موضوعها «الوطن وأهله وناسه» كانت تحمل قيماً رفيعة، تعكس معانى ومشاعر يحسها المصريون.

أما الأغانى التى كانت تختزل الشعور الوطنى وتركزه فى شخص معين فقد زالت وأصبحت مجرد جزء من ذاكرة الفن.

تمدد التفاهة فى فن وثقافة المصريين اقترن بنكسة 1967، ولا أجدنى بحاجة إلى تذكيرك بأغانى «العتبة جزاز» و«الطشت قالى».

التفاهة -حينذاك- كانت مجرد وسيلة للتسلية والإضحاك فى زمن تشابكت فيه أحزان الناس وتوترت أحوالهم واهتزت أعصابهم تحت وقع النكسة.

كان الإضحاك والتسلية عبر التفاهة هو المعادل الموضوعى لحالة الحزن والبؤس والكدر التى سيطرت على العقل الثقافى والوجدان الفنى فى ذلك الوقت.

حتى ذلك الحين كانت الأمور تبدو طبيعية ومستساغة ولا تثريب عليها، لكن الصورة بدأت تختلف حين باتت التفاهة هى الأصل والقيمة هى الفرع.

التحول حدث أواخر السبعينات ومع مطلع الثمانينات وما تلاه، حين زحفت التفاهة على كل شىء، وأصبح «التافه» نجماً وبطلاً، ليس فى الفن والثقافة فقط، بل فى نواحٍ عدة من حياتنا.

مؤكد أنه كانت هناك استثناءات تدافع عن القيمة فى كل مجال، لكنها كانت استثناءات مؤكدة لقاعدة «التفاهة».

أصبح الجهلة وأنصاف المتعلمين نجوم الحياة. هؤلاء الذين يمزجون جهلهم بالعربجة والبلطجة، ويمزجون عربجتهم وبلطجتهم بالنصب واللصوصية واسترخاص كل قيمة، بما فيها قيمة الحياة.

عام 1980 صدرت صرخة تحذير من جانب صناع فيلم «انتبهوا أيها السادة» تنبه الناس إلى زحف التفاهة القادم، وحالة الانهيار القيمى التى بدأت تضرب المجتمع، لكن أحداً لم ينتبه.

ومع سيطرة الغفلة وتوافر الظرف المواتى توسع سوق التفاهة، ومع الإفساد المتعمد لذوق الناس وأنماط تفكيرهم راج الطلب على «التفاهة».. وها هو المجتمع يصرخ من آثارها الآن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوق التفاهة سوق التفاهة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:14 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا
  مصر اليوم - محمد صلاح يتصدر قائمة أفضل 10 مهاجمين في أفريقيا

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon