عدم الاهتمام بأقوال المنجّمين من جانب قطاع من الناس، واستخفاف قطاع آخر بما سمعوه من خبراء وخبيرات «التاروت»، يشكل ظاهرة لافتة ونحن نودع عام 2020.
فمع نهاية كل عام وهبوب نسائم عام جديد كانت سوق «توقعات القادم» تنتعش ويصبح نجوم قراءة الطالع وما يرددونه محل اهتمام من جانب البعض.
منسوب الاهتمام ومعدل الالتفات إلى هذا الرغى قَلَّ كثيراً. وكلمة السر فى ذلك هى «كورونا».
أواخر عام 2019 نشطت حركة قراءة الطالع وأنشأ علماء الفلك يتوقعون أحداث العام التالى، أكثرهم تحدث عن سقوط حكومات ونشوء صراعات داخل دول ووقوع صدامات على مستوى العالم، وغير ذلك من أحداث لا تحتاج إلى علم بالفلك أو تتبع لمواقع النجوم وحركتها حتى يتوقعها أحد، إذ تمثل امتداداً منطقياً لأحداث شهدها عام 2019.
قلة نادرة من قراء الطالع وأصحاب التوقعات تحدثوا عن ظهور وباء فى بعض دول العالم. وأغلب هؤلاء كانوا يتابعون الأخبار القليلة التى كانت تخرج من الصين وتتحدث عن الوباء الذى تسلل إلى مدينة «ووهان» وتنتشر عدواه بسرعة بين سكان المدينة، طيلة شهر ديسمبر 2019، ما يدلل على أن توقعهم جاء بناءً على قراءة الواقع وليس قراءة الطالع.
لم يفصل العرافون والمنجمون القول فى شأن الفيروس، وأظن أنهم فوجئوا مثل غيرهم بحالة التوحش التى أتى عليها.
البشرية أواخر العام 2020 ليست هى البشرية أواخر عام 2019.
الآن لم يعد فى وسع أحد أن يستمع إلى خبيرة تاروت أو كلام منجّم أو عراف أو قارئ كَفّ ليحدثه عن المستقبل فى ظل وباء يضرب فى جميع الاتجاهات، ولا يعرف أحد كيف ستكون نهايته؟
حالة الإرهاق التى سببها الفيروس للبشر وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية على حياتهم مثّلت عاملاً آخر مهماً لانصراف الناس عن قراءة «هبد العرافين» أو «هرى المنجّمين».
استحواذ تهديدات الحاضر على الإنسان يصرفه عن التفكير فى المستقبل أو النظر إلى القادم أو الاستماع إلى من يتوقع حركته. ففى لحظات الاضطراب لا يفكر الإنسان إلا فى النجاة.
وما أعظم الآية القرآنية الكريمة التى تشرح تلك الحال، والتى تقول: «هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ».
فى لحظات الخطر أو التهديد يكون الله تعالى حاضراً فى حياة البشر. إنها اللحظة التى يتيقن فيها الإنسان أن النجاة بيده وحده، وأن عليه استعادة إيمانه بالله.
كذلك يفكر الإنسان فى لحظات الخطر أو التهديد، لكن ما إن يغادرها حتى يعود إلى سيرته الأولى: يقول تعالى: «فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم». ويقول: «وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ».
سبحان العليم بمبلغ ضعف عباده وأن كلمة السر فى حياتهم هى أنهم «أبناء اللحظة».