بقلم: د. محمود خليل
لأول مرة تخرج السيدة المتزنة الهادئة عن وقارها المعتاد لتتحدث إلى شعبها بنبرة «عصبية» عن أيام «عصيبة» قادمة ستعيشها ألمانيا بسبب فيروس كورونا.
العصبية التى بدت عليها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مردها تفاقم حالات الإصابة والوفيات بالفيروس والتى بلغت ذروتها يوم الثلاثاء الماضى، حيث سجلت ألمانيا ألف وفاة وأكثر من 17 ألف إصابة، الأمر الذى دعا «ميركل» إلى مكاشفة شعبها بالحقيقة دون مواربة.
عندما تخرج أكبر مسئولة فى ألمانيا متحدثة بمثل هذا الكلام فعلينا أن نأخذ الأمور بمأخذ الجد. فألمانيا خلافاً لجميع دول العالم لها وضعية خاصة إذا نظرنا إلى طبيعة النظام الصحى بها.
نظام التأمين الصحى فى ألمانيا يتم تمويله بسخاء عبر الاشتراكات القانونية والاشتراكات الخاصة بمئات المليارات من الدولارات، ويغطى كل أفراد الأسرة الألمانية، وهو إجبارى بالنسبة للمواطنين والأجانب، كما أنه مشهور بكفاءته.
سخاء التمويل وكفاءة الخدمة الطبية المقدمة جعلا ألمانيا فى مقدمة الدول الأوروبية التى يتمتع أهلها برعاية صحية متميزة، وبالتالى عندما تخرج سيدة ألمانيا الأولى متحدثة بهذه الطريقة فعلينا أن نفهم أن هذا النظام الطبى العتيد أصبح يواجه مشكلات لا حصر لها بسبب انفجار عدد الإصابات والحالات.
فالنظام الصحى داخل أى دولة من دول العالم يتعامل مع الجائحة ما دام قادراً على استيعاب الإصابات وتوفير الرعاية الطبية لأصحابها، ولكن عندما تخرج الأمور عن السيطرة وتتضاعف الأعداد بشدة، فإن المسألة تبدأ فى الاختلاف، حيث تأخذ القدرة على الاستيعاب فى التآكل. فى هذه اللحظة تلجأ الدول إلى الإجراءات الاستثنائية وتحاول محاصرة انتشار الفيروس بالإغلاق وحظر التحرك وغير ذلك.
كلام المستشارة يدل على أن النظام الصحى فى ألمانيا يوشك على الانهيار، وإذا كان الوضع فى ألمانيا يبدو على هذا النحو، فلك أن تتخيل الأوضاع داخل غيرها من الدول الأوربية، ناهيك عن دول العالم المختلفة.
الوضع جد خطير.
هناك من يشككون فى خطورة الفيروس، ويرددون أن «حدوتة كورونا» مصنوعة بالأساس بهدف خدمة مصالح شركات عالمية معينة، وهى الشركات الراعية لفكرة الأداء عن بعد.
ليس هناك خلاف على أن شركات الاتصالات والمعلومات التى توفر الأجهزة والبرامج والمنصات اللازمة للعمل أو التجارة أو التعليم عن بُعد استفادت من الجائحة، لكن علينا ألا نغفل أن التحول لهذا النظام فى الأداء يعود بجذوره إلى بدايات الألفية الثالثة، ولم يرتبط فى ظهوره أو فى تطوره بفيروس كورونا.
وترتيباً على ذلك يصبح التشكيك فى جدية الخطر الذى تواجهه البشرية مفتقراً إلى المنطق.
علقت ميركل على الدعاوى التى يسوقها هؤلاء المشككون قائلة: «هذه الدعاوى ليست مزيفة وخطيرة فقط، بل إنها أيضاً مثيرة للسخرية ووحشية تجاه أولئك الذين عانوا من الوباء».
الدنيا لا تسير على حال، وأيامها متقلبة، وظروفها متبدلة. والعقل والمنطق يقولان: عليك وأنت تتعامل مع ظرف استثنائى أو خطر غير عادى أن تنحى الأساليب التقليدية جانباً، وتتخذ من الإجراءات ما يتناسب مع الظرف وما يعينك على مواجهة الخطر حتى يزول أثره، وبعدها بإمكانك أن تعود إلى قواعدك سالماً.