بقلم: د. محمود خليل
خرج «نتنياهو» فى الذكرى الـ47 لانتصار المصريين على الصهاينة فى أكتوبر 1973 متحدثاً عما وصفه بانتصار إسرائيل على كل من مصر وسوريا بعد أن تمكنت من امتصاص هجومهما المفاجئ عليها، وأن قوات جيش الاحتلال كانت تقف على أبواب القاهرة ودمشق.
لم يكن أحد -داخل إسرائيل- يجرؤ على ترديد هذا الكلام خلال السنوات الأولى التى أعقبت الحرب. فقد كان هناك اعتراف صريح بالهزيمة، تجد الدليل عليه فى قيام الحكومة الإسرائيلية بتشكيل لجنة «أجرانات» (1973) لتقصى الحقائق حول ما حدث أيام الحرب، وأثبت تقرير اللجنة فشل الأجهزة داخل إسرائيل فى توقع لحظة الهجوم، وعجز قواتها عن منع الجيش المصرى من عبور القناة وتدمير خط بارليف، والتوغل داخل سيناء حتى منطقة المضايق.
لا يحتاج «نتنياهو» أكثر من أن يقلب فى صفحات تقرير لجنة «أجرانات»، حتى يدرك حالة العجز واللخبطة التى وقعت فيها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية نتيجة خطة الخداع الاستراتيجى التى اعتمد عليها الرئيس الراحل أنور السادات. ومن الثابت تاريخياً أن اللجنة حكمت باستبعاد المسئولين عن هذه الأجهزة من مناصبهم بعد الحرب.
يزعم «نتنياهو» أن قوات إسرائيل كانت تقف على أبواب القاهرة، فى إشارة إلى بعض الأحداث التى أعقبت واقعة «ثغرة الدفرسوار»، حين حاولت إسرائيل تطوير هجوم مضاد بعد أن اكتسح المصريون المشهد القتالى، فى محاولة وُصفت حينها بـ«الاستعراضية أو التليفزيونية» وبيع الوهم للشعب الإسرائيلى الذى زلزلت أركانه بعد تأكده من حقيقة أنه أصبح فى مرمى القدرة العسكرية المصرية.
الحركة التليفزيونية التى قام بها «شارون» توقفت فى السويس، حين أصبحت قوات العدو التى قامت بالثغرة بين فكى جنود الجيش المصرى وأهالى السويس. على يد أبناء السويس والإسماعيلية تحطمت آمال «شارون» فى إحداث تحول فى مسار الحرب التى كانت كل الحقائق على الأرض تشير إلى انتصار المصريين فيها.
حديث «نتنياهو» عن وقوف الصهاينة على أبواب القاهرة بالنسبة لمن قرأ تفاصيل هذه الحرب يعد حديثاً كوميدياً من الصنف العالى، لكننى انزعجت من تساؤل بعض الأجيال التى لم تعاصر هذه الفترة عما يقوله رئيس الوزراء الإسرائيلى!.
هذه الوضعية تثير سؤالاً حول مقررات التاريخ التى يدرسها أبناؤنا. ويلاحظ مَن تعرض لهذه المقررات العبور السريع على حرب أكتوبر مقابل التوسع فى الحديث عن رحلة السلام التى خاضها الرئيس السادات منذ عام 1977.
لا تركز سردية حرب أكتوبر بكتب التاريخ التى يدرسها طلاب المدارس على التفاصيل التى تستحق الذكر فى هذه المعركة الكبرى، ولا تمنحهم المعلومات التى تمكنهم من وضع مثل هذه الترّهات التى يغرد بها «نتنياهو» وغيره فى مكانها الصحيح داخل سلال المهملات.
تحصين عقل الأجيال الجديدة ضد هذه المغالطات الكبرى أساسه المعلومة الصحيحة والتفصيلية، وليس المعلومة العابرة أو الإنشائية.
صناع مقررات التاريخ بالمدارس مطالبون بالقيام بدور فى عملية التحصين تلك.
صناع الأفلام الوثائقية بشركات الإنتاج الإعلامى والقنوات الفضائية عليهم واجب أيضاً فى هذا السياق، يتمثل فى تقديم أفلام متقنة ومهنية تضع الحقائق فى مكانها، وتقدم أحداث التاريخ كما وقعت، بعيداً عن محاولات التزييف التى يقوم بها المزيفون الجدد من أمثال «نتنياهو».