توقيت القاهرة المحلي 18:40:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"كأنهم خُشب مُسندة"

  مصر اليوم -

كأنهم خُشب مُسندة

بقلم: د. محمود خليل

تحمل العبارة القرآنية: «كأنهم خشب مسندة» معنى يجدر التذكير به. معنى بإمكانه أن يقدم تفسيراً للجرائم العجيبة التى تقفز بين الحين والآخر على شاشة حياة المصريين. آخرها على سبيل المثال قضية «سفاح الجيزة» وما ارتبط بها من تفاصيل شديدة الغرابة والشذوذ.

هذه الجرائم -بداية- هى جرائم آحاد، ولا نستطيع أن نقول إنها تشكل ظاهرة، لكنها تحمل فى طياتها مؤشرات خطرة على أحوال ومآلات هذا المجتمع.

سؤال يجدر بنا طرحه على هامش جريمة سفاح الجيزة وما يشبهها.. هو: كيف يفقد الإنسان أخلاقه؟.

والإجابة: عندما يموت الإحساس داخل الإنسان يفقد أخلاقه. فالإحساس أصل الأخلاق والرافد الأهم لتغذيتها.

عندما يفقد الأب مشاعر الأبوة، أو الأم مشاعر الأمومة، أو الابن مشاعر البنوة، أو المتحرش مشاعر النخوة، أو الظالم مشاعر العطف، أو القوى مشاعر التواضع وخفض الجناح للضعيف، والسادر فى الغى مشاعر الخوف من الحساب، والفاسد مشاعر الخوف من القانون، والطاغى مشاعر الحذر من غضبة المظاليم، عندما تضمحل هذه المشاعر داخل نفوس أصحابها تضيع الأخلاق.

متى تموت المشاعر داخل الإنسان؟. قد تستغرب إذا قلت لك إن المشاعر تموت داخل النفوس عندما يسكنها النفاق.

عندما يضرب النفاق مجتمعاً يتحول أناسه إلى مجموعة من الخشب المسندة، تماماً مثلما وصف الله تعالى المنافقين: «وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم».

فأول درس يتعلمه المنافق أن ينحى مشاعره وأحاسيسه نحو البشر الذين يتعامل معهم جانباً، فيداهنهم ويكذب عليهم ويمتدح حكمتهم فى وقت يعتبرهم فيه أهبل خلق الله، ويتغزل فى رقتهم وهو الذى يراهم أفظاظاً غلاظاً.

العلاقات الأسرية والاجتماعية والإنسانية التى يسودها النفاق ويسيطر عليها الكذب والمراوغة هى المقدمات الأولى لانهيار الأخلاق.

المنافق صورة بلا عقل، وجسد بلا روح، وشكل بلا مضمون، قد يعجبك منظره، ويجذبك كلامه، لكنك لا تعلم أنه يمكث فى انتظار اللحظة التى تصبح فيها الأجواء مهيأة ليظهر شيطانه ليعيث فى الأرض فساداً ويهتك كل الأخلاق ويرتكب أبشع الجرائم.

المجتمعات التى يسودها النفاق يتحول فيها البشر إلى تماثيل فاقدة الإحساس ضائعة العقل. وأشكال ووسائل ضياع العقل والإحساس عديدة.

المخدرات وسيلة سهلة وقصيرة لذلك، ونزع الكرامة أداة، وركل القيم ووطئها بالأقدام سبيل، وإعلاء المال على ما عداه من معطيات الحياة طريق سهل لضياع العقل والإحساس.

هذه الوسائل والأدوات والسبل والطرق تأخذ بيد صاحبها إلى الحالة التى يمكن وصفها بـ«الحالة الخشبية» ليتحول البشر إلى مجموعة من الخُشُب المسندة «يحسبون كل صيحة عليهم».

قطعة الخشب لا عقل لها ولا إحساس ولا مشاعر، ولأنها كذلك فهى قابلة للتشكيل فى أى صورة يرضاها صانعها، مثلها مثل المنافق الذى يجيد التشكل فى الصورة التى يريدها عليه سيده، أياً كان هذا السيد (الزوج - الزوجة - الابن - الجار - الصاحب - الشريك - رئيسه فى العمل)، انتظاراً للحظة معينة يطلق فيها قذائف نفسه الضائعة على هذا السيد.

هنالك يقتل الزوج زوجته، والزوجة زوجها، والأب ابنه، والأم وليدها، والابن أباه وأمه، والصديق صديقه، يسرق ويهرّب ويفعل كل شىء، لأنه فقد الإحساس بأى شىء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كأنهم خُشب مُسندة كأنهم خُشب مُسندة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon