مثلت الثورة الخومينية فى إيران عام 1979 واحدة من أبرز روافع ظاهرة «الإسلاموفوبيا» فى القرن العشرين.
أطاحت الثورة بشاه إيران محمد رضا بهلوى ونظامه، وهو النظام الذى كان محل إعجاب وتحالف من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لسنوات طوال.
كان الشاه من الحكام العصريين الذى طوروا كثيراً فى إيران، لكن عوائد التطوير الذى أحدثه وقعت فى حجر القلة القليلة المحيطة به، أما عامة الشعب فلم تنعم بآثار جهوده، بل على العكس تماماً عانت التهميش والقهر وسقطت فى بئر الضغوط المعيشية التى لا تنتهى.
كذلك يؤدى أغلب حكام الشرق الأوسط، يطورون على مستوى القمة، أما القاعدة فيتركونها نهباً للمغامرين السياسيين وتجار الأديان والأيديولوجيات.
ويرحب الغرب بحكام الشرق الذين يؤدون على هذا النحو ما داموا قادرين على السيطرة على الشعوب، وتحقيق الاستقرار حتى ولو كان شكلياً، ثم تأتى اللحظة التى تتهيأ فيها الكتلة الشعبية الهائلة وتصبح قادرة على التغيير فتتحرك وتسقط العروش، التى ظن البعض لطول مكوثها أنها لا تزول.
عندما بدأت بوادر ثورة الخومينى تلوح فى الأفق أصيبت الإدارة الأمريكية بنوع من الارتباك، ووجدت نفسها عاجزة عن فعل أى شىء للشاه، فسقط حكمه ورحل خارج إيران.
رفضت الولايات المتحدة استقباله، ولم تسمح بدخوله إلا بعد أن رجا الرئيس جيمى كارتر بشكل شخصى أن يمنحه تأشيرة دخول إلى أمريكا للعلاج. فمكث هناك شهراً ثم رحل.
غضب الخومينى والإيرانيون غضباً شديداً لاستقبال أمريكا للشاه. وقرر مجموعة من الطلبة المنحازين للثورة الاستيلاء على السفارة الأمريكية بطهران واحتجاز كل العاملين بها كرهائن.
خطوة الإيرانيين كانت حمقاء ولا شك. فما علاقة موظف أمريكى يؤدى دوره فى إحدى السفارات بغضب أو رضاء المرشد الأعلى أو مجموعة الملالى الذين تربعوا على حكم إيران؟ لكن ذلك ما حدث.
فى أمريكا بدأت الأصوات تتعالى عن التطرف والمتطرفين الإسلاميين الذين يشيطنون الولايات المتحدة وكل دول العالم، وشرعت آلة الإعلام الغربى فى العمل، وأصبحت الرسوم التى تقدم أصحاب العمائم والذقون جزءاً لا يتجزأ من الرسالة الإعلامية الغربية التى تتناول المسلمين.
كانت الظروف والأوضاع السائدة داخل بلدان العالم العربى والإسلامى أواخر السبعينات تزود الرسالة الإعلامية الغربية بالعديد من الأحداث والفعاليات التى تدعم الصورة التى تجتهد فى رسمها للمسلمين.
فمصر فى ذلك الوقت كانت تتزاحم بأصحاب الذقون، وكذلك كانت الحال فى بعض دول الخليج. أما فى أفغانستان التى كانت تخوض المراحل الأولى لمواجهة السوفييت الذين احتلوا أرضها فحدث ولا حرج.
منحت حادثة المنصة عام 1981 والتى استشهد على أثرها الرئيس السادات على يد إرهابيين متأسلمين الإعلام الغربى زخماً جديداً، وأصبح لسان حاله يقول: «طوفان الدقون قادم».
كانت تلك هى ملامح الصورة فى الظاهر، أما فى الباطن فقد كانت مختلفة إلى حد كبير.
كانت إيران والولايات المتحدة تتبادلان اللعنات فى العلن، فى حين كان التنسيق بينهما على أشده لتوريد السلاح الأمريكى الحديث إلى طهران لتستعين به فى حربها مع العراق، مقابل تدخل إيران للإفراج عن الرهائن الأمريكيين فى لبنان.
وكان تواصل الولايات المتحدة على أشده مع الجماعات الجهادية فى أفغانستان وخارج أفغانستان لمواجهة القوات السوفيتية الغازية.
كان لهذا التواصل والتنسيق بالغ الأثر على مستقبل الإسلاميين المتطرفين. وتحليل حلقاته وتفاصيله يثبت أن الغرب الذى يتحدث الآن عن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» لعب الدور الأهم فى زرع وتمكين الجماعات المتطرفة فى الشرق والغرب.
واليوم يمارس لعبة خداع كبرى، يريد أن يقنع نفسه والعالم من خلالها بأن المسألة تتجاوز حفنة من المتأسلمين، إلى الإسلام ذاته كديانة.. ويريد إقناع أكثر من مليار ونصف المليار مسلم بأن لديهم مشكلة فى دينهم!.