مولود كورونا الجديد أربك العالم أكثر مما هو مرتبك، وأرهق الحصان المرهق أصلاً. البعض أطلق عليه «كوفيد 20».
بلد المنشأ هذه المرة هو بريطانيا العظمى، حيث ظهرت السلالة الجديدة بكثافة، وأصيب بها كما يقدِّر مسئولون بريطانيون أكثر من 150 ألف شخص خلال أسبوع واحد.
قرر بوريس جونسون عقب تفشِّى الفيروس إعادة فرض الحجر الصحى فى لندن وجنوب شرق إنجلترا، ودعا حكومته إلى التخلى عن خططها الخاصة بتخفيف القيود المفروضة لاحتواء فيروس كورونا خلال احتفالات عيد الميلاد.
تعلم بالطبع أن «جونسون» واحد من زعماء العالم الذين فتحوا صدرهم وأعلنوا منذ عدة أيام عن تبنِّى خطة لتخفيف القيود الخاصة باحتواء الفيروس خلال الاحتفالات بعيد الميلاد، وقرر أيضاً السماح للجماهير بحضور مباريات الكرة.
وعلى الرغم من تحذير خبراء الصحة فى بريطانيا من إقدام الحكومة على تخفيف القيود والتنبيه إلى النتائج السلبية التى يمكن أن تترتب على ذلك عقب انتهاء احتفالات عيد الميلاد، فإن «جونسون» لم يأبه لأحد وفتح صدره كما وصفت لك وأعلن عن عزمه وإصراره على التخفيف، ولم يختلف رأيه إلا بعد ظهور السلالة الجديدة.
قلت لك غير مرة إن حكومات العالم معذورة، لأن الكلفة الاقتصادية الكبيرة المترتبة على الإغلاق تجعلهم يترددون ويتلكأون فى اتخاذ قرار بشأنه، فتوقف عجلة الاقتصاد له آثار داهمة على الشعوب، التى عبرت قطاعات منها فى دول عدة عن رفضها للعودة إلى إجراءات الإغلاق التى شهدتها الموجة الأولى.
عناد «جونسون» لم يكن فى محله، فالقرارات التى تتعلق بحياة البشر لا تخضع للأهواء أو الأمزجة، ولا تعرف أيضاً حسابات الخسائر، لأنه لا توجد خسارة فى الحياة تعادل خسارة الحياة نفسها.
لقد كان «جونسون» يعرب عن إصراره على تخفيف القيود بالتزامن مع قرار المستشارة الألمانية «ميركل» -وهى واحدة من أكثر القيادات الأوروبية مهارة وارتكازاً- بفرض المزيد من القيود على المواطنين فى ألمانيا وصلت إلى حد إغلاق المتاجر والمدارس حتى 10 يناير المقبل.
لم يلتفت «جونسون» إلى أن زيادة عدد الإصابات كفيل فى حد ذاته بإيقاف عجلة الحياة داخل المدن البريطانية، وأنها تتسبب فى كلفة أعلى أيضاً على مستوى توفير الرعاية الصحية، وأنها أيضاً تؤثر على عملية التدفق من وإلى بريطانيا، بما يصحب ذلك من خسائر مالية.
لقد أعلنت عدة دول منها هولندا وبلجيكا وإيطاليا والنمسا عن وقف رحلاتها من وإلى بريطانيا بعد ظهور السلالة الجديدة من كورونا فى العاصمة لندن، ومن الوارد بالطبع أن تحذو دول أخرى حذوها.
«جونسون» يتجه نحو الإغلاق، بعد أن أصبحت المفاضلة بين خسارتين، ولم يعد هناك بد مما لا بد منه. الخسائر المالية قائمة فى حالة الإغلاق، لكن مع كورونا تتزاوج الخسائر المالية مع خسارة أرواح بشر.
بعض الخبراء يقولون إن السلالة الجديدة من كوفيد (كوفيد الابن) أكثر انتشاراً لكنها أقل شراسة، وأن بمقدور الإنسان مقاومتها بصورة أكبر من كوفيد الأب.. لعل وعسى.
لكن يبقى أن توقُّع الخطر وتوقِّيه جزء من حسن الإدارة.