توقيت القاهرة المحلي 06:24:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كلمات «سعد» الأخيرة

  مصر اليوم -

كلمات «سعد» الأخيرة

بقلم: د. محمود خليل

 أساطير كثيرة ارتبطت بآخر كلمات رددها سعد زغلول قبل وفاته، قد يكون من المفيد التذكير بأشهرها، وهى عبارة: «مفيش فايدة». وهى العبارة التى جرت على ألسنة المصريين مجرى المثل، وما أكثر ما يتم استدعاؤها حال اليأس من تغيير أى وضع قائم.

ومن مراجعة العديد من الكتابات التاريخية يتضح أن سعداً لم يردد هذه العبارة. ففى التقرير الذى نشرته «المصور» حول اللحظات الأخيرة لسعد جاء أن الزعيم قال لأم المصريين عندما لاحظ تشبثها بالأمل فى شفائه: «أنا رايح.. أنا رايح».

وأشار التقرير أيضاً إلى عبارة: «أنا انتهيت»، متفقاً مع ما ذهب إليه أحمد بهاء الدين فى كتابه «أيام لها تاريخ» من أن آخر كلمات رددها الزعيم كانت: «أنا انتهيت».

فى كل الأحوال لا تعكس أى من العبارات التى رددها سعد باشا قبل وفاته يأساً من التغيير، قدر ما تعبّر عن يأس من الحياة، لأن الرجل بالفعل غيّر كثيراً فى وجه الحياة فى مصر.

ولد سعد كما يولد كل الرجال، ومات كما يموت كل حى، لكن تأثير شخصيته على من جايله من المصريين، وعلى من آمنوا بتجربته السياسية من بعده كان عظيماً.

ومؤكد أن هذا التأثير كان له ما يبرره على مستويات عديدة، على مستوى الموضوع بدأت مصر تجربتها الليبرالية الأولى مع ظهور سعد زغلول وتأسيس حزب الوفد، لتغرس فى الشارع المصرى أفكار المواطنة والدولة المدنية القائمة على المساواة بين جميع المواطنين دون تمييز بسبب دين أو جنس أو لغة.

وقد مثّل دستور مصر الصادر عام 1923 الوثيقة الأساسية المعبرة عن مجمل أفكار هذه التجربة، وهو الدستور الذى شملت اللجنة التى تولت صياغته كل الأطياف السياسية والدينية المصرية.

وعقب صدور هذا الدستور تشكل واحد من أهم وأخطر البرلمانات فى تاريخ التجربة السياسية المصرية، لقد نجحت ثورة 1919 فى خلق مناخ ثقافى وفكرى وفنى جعل منها تاريخاً فاصلاً يفرق ما قبلها عما بعدها على كل المستويات.

وعلى مستوى الشخصية كان سعد زغلول من الشخصيات شديدة التأثير فى المصريين، خصوصاً من عاصروه وشاركوه الحلم فى تحرير مصر وبناء تجربة برلمانية ديمقراطية حقيقية. اعتبر المصريون هذا الفلاح ترجمة لآمالهم فى نظام حكم أفضل ودولة وطنية حقيقية.

وشأنه شأن كل زعيم كبير كان هناك من يختلف حول شخصه، ليس من بين قراء التاريخ فقط، بل من بين معاصريه أيضاً. فهناك من كان يتهمه بالأرجزة والشعبوية وخداع الجماهير وإغراقهم فى أحلام غير واقعية بمعسول الكلمات.

خصوم سعد من الأحرار الدستوريين كانوا يرددون هذه الاتهامات فى وجهه، وبلغ الأمر بهم حد اتهام ذمته المالية.

شخصية سعد زغلول متنوعة الظلال، فقد مرت بتقلبات وتحولات عديدة على مدار عمره الذى امتد لتسع وستين عاماً، واشتملت على خريطة إنسانية متنوعة الأخلاقيات والسلوكيات والمواقف بصورة جعلت كل من يريد القدح يستطيع أن يجد فيها ما يستدل به على هجومه عليه، ومكنت من يريد المدح والارتفاع به إلى مصاف الزعماء الملهمين من العثور على ما يؤيد توجهه نحوه.

ولو أنك تأملت ما كتبه أديب نوبل «نجيب محفوظ» حول سعد زغلول فستجد وصفاً منصفاً للرجل يذكر فيه سلبياته كما يحتفى بإيجابياته. فهو من وجهة نظره الزعيم الذى أسهم فى تخليص مصر من الاحتلال الإنجليزى، وهو الإنسان الذى اعترف بنقاط ضعفه وخاض رحلة تسامى فيها على ذاته حتى أصبح أمل جميع المصريين.

والمتأمل للجزء الخاص بشخصية سعد فى رواية: «أمام العرش» يشعر أنه أمام كاتب عرف كيف يعبر عن زعيم. يقول نجيب محفوظ على لسان أوزوريس، رئيس محكمة التاريخ، لـ«سعد باشا»: «إنك أول مصرى يتولى الحكم منذ العهد الفرعونى، وتوليته بإرادة الشعب، من أجل ذلك أهبك حق الجلوس بين الخالدين من أجدادك».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كلمات «سعد» الأخيرة كلمات «سعد» الأخيرة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon