ليست المرة الأولى، ولا أظن أن تكون الأخيرة، التى تعلن فيها حفيدة الشيخ محمد رفعت، طيّب الله ثراه، توافر 30 ساعة تشتمل على تسجيلات نادرة لم يسبق لمحبى الشيخ الاستماع إليها تحتاج إلى معالجة وتقويم حتى يتيسر للناس الاستمتاع بها.
منذ عدة سنوات استمعت إلى السيدة «هناء حسين رفعت» تقول ذلك فى أحد البرامج التليفزيونية، ومنذ يومين نشر أحد المواقع الإخبارية تصريحاً لها يؤكد المعلومة من جديد.
تراث الشيخ محمد رفعت، أجمل وأبدع الأصوات التى رتلت كلام الخالق الأعظم، يمثل ثروة قومية مصرية بكل المقاييس.
فعشاق صوته الخاشع بالقرآن الكريم فى مصر يعدون بالملايين ومن كل الأعمار. أما محبوه فى أنحاء العالم الإسلامى فيفوقون الحصر، ومؤكد أنهم متشوقون إلى الاستماع إلى أى تسجيل جديد له حتى ولو كان لدقائق، فما بالنا والأمر يتصل بثلاثين ساعة كاملة.
كان الشيخ رفعت، وسيظل، جزءاً من الوجدان الدينى للمصريين، إنه من وجهة نظرهم الرجل الذى حباه الله بمزمار من مزامير داود، فعاش حياته صادحاً بآيات الذكر الحكيم بصوت يصدر من جنان الخلد ويتردد صداه على الأرض.
ورغم المحبة التى فاضت بها قلوب عشاقه خلال حياته العامرة بالقرآن الكريم، إلا أن الإنسان يتعجب من الإهمال الجسيم لمجايليه فيما يتعلق بتسجيل تلاواته العطرة، رغم أن التراث السمعى لنجوم الفن والغناء لعدد من المجايلين له تم تسجيله وأرشفته.
تسجيلات الشيخ رفعت فى الإذاعة لا تزيد على 3 أو 4 تسجيلات من بينها سورة الكهف وسورة هود.
وكل ما تبقى من تراث الشيخ هو مجموعة الأسطوانات القديمة التى سجلها لها أحد مَن عاصروه من المغرمين بصوته السماوى، وهو المحامى زكريا باشا مهران.
استمعت إلى تسجيل إذاعى نادر أجراه الإعلامى الكبير عمر بطيشة مع المرحوم «حسين رفعت» نجل الشيخ، حكى فيه قصة هذه الأسطوانات، وكيف كان الباشا يسجلها عبر البث الإذاعى المباشر لتلاوات الشيخ من خلال الراديو.
فى ذلك الوقت كانت الإذاعة المصرية تعتمد على البث المباشر دون التسجيل، وكاد كل هذا التراث يضيع لولا أن ألهم الله المرحوم زكريا باشا الاحتفاظ به عبر أجهزة تسجيل الأسطوانات التى اشتراها خصيصاً لهذا الغرض.
بعد وفاة الشيخ اهتم نجله حسين رفعت بجمع تراثه، وتمكّن من الوصول إلى زوجة زكريا باشا بعد وفاته وحصل منها على هذه التسجيلات، وتمكّن من ترميم وإصلاح بعضها، وكان يراجع الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب فى ذلك، خصوصاً عند اختيار نغمة «البسملة» التى يصدّر بها التسجيل فى الحالات التى تكون قد سقطت فيها بسبب رداءة الأسطوانات.
تمكّن الأستاذ حسين رفعت من تقديم حوالى 30 ساعة من تراث الشيخ هى كل ما نسمعه حالياً من تلاواته، لكن يتبقى 30 ساعة أخرى لم تزل الحفيدة تجتهد فى تقديمها إلى عشاق الصوت السماوى فى كافة أنحاء العالم الإسلامى.
والسؤال: لماذا لا تتدخل مؤسسات الثقافة والإعلام والأزهر الشريف والأوقاف بكل ثقلها لترميم ما تبقى من تراث الشيخ؟
الرموز الكبرى فى تراثنا - مثل الشيخ رفعت - لا تخص أفراد أسرته فقط، بل تخص المصريين جميعاً، وواجب على كل المؤسسات القادرة على المساهمة فى ترميم تراثه أن تسخّر كل إمكانياتها - وهى كثيرة - لتقديمه إلى الأجيال المعاصرة.