بقلم : محمود خليل
ما أجمل اللحظة التى يتحول فيها «تعثر» الإنسان حين لا تقوى قدماه المجهدتان على حمله إلى «شموخ». حتى فى اللحظة التى سقط فيها الدكتور مجدى يعقوب، فخر مصر والعرب، عندما همَّ بتسلم جائزة تكريم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم كان كبيراً وعظيماً ومضيئاً ولامعاً. قلوب كثيرة انتفضت فى أماكنها عندما شاهدت هذا المشهد. مؤكد أن قلوباً كثيرة ستنتفض فى مواضعها للمشهد الشامخ لمايسترو علاج القلب السير «يعقوب».
كلنا يعرف الكثير عن الدكتور مجدى يعقوب، وعن سيرته العلمية والعملية المشرفة، لكن لفتنى جداً أن هذا الإنسان الجميل لم ينشغل بالتكريم المستحق له فى دولة الإمارات الشقيقة، قدر ما انشغل بجمع تبرعات لبناء مستشفى القلب الجديد بالقاهرة، ليعمل إلى جوار مستشفى مجدى يعقوب بأسوان بصعيد مصر. هذا الرجل يضع الإنسان المصرى نصب عينيه بصورة عملية، دون أن يباهى بذلك أو يتحدث عنه، فكل همه هو تخفيف جراحات القلوب التى تعانى ليس أكثر. دون أن يبغى من أحد جزاءً ولا شكوراً. نموذج فذ يقدمه السير «يعقوب» لكل جماليات الإنسان المصرى المحب للإنسان.
عرفت مصر الكثير من المشاهير فى عالم الطب، بدءاً من على باشا إبراهيم وانتهاءً بمجدى يعقوب، الكثيرون كانوا يباهون بشهرتهم ومعدلات دخلهم وبمهاراتهم العملية، وأقلهم من كان يفكر فى أن يعطى دون مقابل، أن يعطى غيره لمجرد أنه إنسان يستحق أن يجد يداً حانية تضمد جراحه. الدكتور مجدى يعقوب فعلها، وقدم نموذجاً للطبيب الإنسان دون صخب أو ضوضاء، هو ليس فى حاجة إليها.
لقد عاشت مصر صخباً كبيراً خلال الأيام الماضية، تعلق بعضه بمطربى المهرجانات، وتعلق بعضه الآخر بمباراة الأهلى والزمالك التى شهدتها دولة الإمارات. ساعات طويلة استهلكها الإعلام مع «بيكا وشاكوش ومش عارف مين»، وساعات أطول غرق فيها فى الحديث عن مباراة فى كرة القدم من قبل أن تُلعب ومن بعد، آراء واجتهادات لا حصر لها سيقت أمام كل تفصيلة من التفاصيل التى شهدتها المباراة، وفى المقابل لم يستغل الإعلام حدث تكريم مجدى يعقوب ليفتح العديد من الملفات المهمة الجديرة بالمناقشة، مثل الدور الذى يمكن أن يقوم به الأفراد الناجحون داخل وخارج مصر فى خدمة أهلها، والدور الذى يمكن أن يقوم به رجال الأعمال فى دعم المشروعات الطبية الخيرية التى يقوم بها الدكتور مجدى يعقوب وزملاؤه الذين يتشابهون معه فى السيرة والمسيرة والرغبة فى مساعدة الطيبين من أهل هذا البلد. ملفات أخرى عديدة كان يصح أن يعالجها الإعلام على هامش هذا الحدث، بدلاً من الاستغراق الفارغ فى ماتش كورة أو مطرب تافه أو فنانة درجة عاشرة، جرياً وراء أكذوبة أن الجمهور عاوز كده، والحقيقة أنهم هم الذين يريدون أن «يكون الجمهور كده»، طافٍ باستمرار على سطح التفاهات. بارك الله فى صحة وعمر الدكتور الإنسان مجدى يعقوب، وفى علمه وعمله، ونسأله سبحانه وتعالى «فوقة» للإعلام.